{وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}

6790 - {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}

05-03-2015 3495 مشاهدة
 السؤال :
ما هو المقصود من قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ}؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6790
 2015-03-05

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

رَبُّنَا عزَّ وجلَّ يُخْبِرُ عن حِقْدِ اليَهُودِ وحَسَدِهِم للمُؤمِنِينَ، وإِرَادَةِ الضَّلالِ لَهُم، فَبَيَّنَ اللهُ تعالى للمُؤمِنِينَ عن مَكِيدَةٍ أَرَادُوهَا لِيُشَوِّشُوا على الضُّعَفَاءِ من النَّاسِ أَمْرَ دِينِهِم، وذلكَ بأَنْ يُظْهِرَ أَهْلُ الكِتَابِ الإِيمَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ، بِحَيثُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ مَعَ المُؤمِنِينَ، ثمَّ يَرتَدُّونَ عن الإِسلامِ آخِرَ النَّهَارِ، لِيَقُولُوا للمُؤِمِنِينَ الضُّعَفَاءِ: لقد اطَّلَعنَا على هذا الدِّينِ فَوَجَدْنَا فِيهِ التَّنَاقُضَ والعَيبَ والزَّلَلَ والنَّقْصَ، لذلكَ رَجَعنَا إلى دِينِنَا الحَقِّ الذي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا.

ثمَّ بَيَّنَ اللهُ تعالى للمُؤمِنِينَ قَولَ أَهْلِ الكِتَابِ لِبَعْضِهِمُ البَعْضِ: ﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ يَعنِي: لا تَطْمَئِنُّوا ولا تُظْهِرُوا مَا عِنْدَكُم إلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، ولا تُظْهِرُوا مَا بِأَيدِيكُم إلى المُسلِمِينَ فَيُؤمِنُوا بِهِ، ويَحتَجُّوا بِهِ عَلَيكُم، ولا تُصَدِّقُوا إلا نَبِيَّاً يُقَرِّرُ مَا جَاءَ في التَّورَاةِ، وهذا هوَ مَذهَبُ أَهْلِ الكِتَابِ، فَتَكُونُ اللَّامُ في قَولِهِ: ﴿لِمَن تَبِعَ﴾ صِلَةً زَائِدَةً، هذا كَقَولِهِ تعالى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ والمَعنَى: رَدِفَكُم، والمَقْصُودُ من ذلكَ المُحَافَظَةُ على جَمَاعَتِهِم وَدِينِهِم.

فَيَأتِي الرَّدُّ عَلَيهِم من اللهِ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ﴾ يَعنِي: اللهُ تعالى هوَ الذي يَهْدِي قُلُوبَ المُؤمِنِينَ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الآيَاتِ البَيِّنَاتِ، والدَّلائِلِ القَاطِعَاتِ، والحُجَجِ الوَاضِحَاتِ، وإنْ كَتَمْتُمْ يَا يَهُودُ مَا عِنْدَكُم من صِفَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُوجُودَةِ في كُتُبِكُم، والتي نَقَلْتُمُوهَا عن أَنبِيَائِكُم.

أمَّا قَولُهُ تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ فَهُوَ من تَمَامِ قَولِ اليَهُودِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ، يَعنِي: لا تُظْهِرُوا مَا عِنْدَكُم من العِلْمِ للمُسلِمِينَ، فَيَتَعَلَّمُوهُ مِنكُم، ويُصْبِحُوا أَمثَالَكُم، ويَمْتَازُوا بِهِ عَلَيكُم لِقُوَّةِ الإِيمَانِ بِهِ، أو يَتَّخِذُوهُ حُجَّةً عَلَيكُم بِمَا في أَيدِيكُم، فَتَقُومُ بِهِ الحُجَّةُ عَلَيكُم في الدُّنيَا والآخِرَةِ.

ثمَّ بَعدَ ذلكَ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ يَعنِي: جَمِيعُ الأُمُورِ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وهوَ المُعْطِي المَانِعُ، وهوَ الذي يَمُنُّ على مَن يَشَاءُ من فَضْلِهِ من إِيمَانٍ وعِلْمٍ وهِدَايَةٍ ودِرَايَةٍ، وهوَ الذي يُضِلُّ مَن يَشَاءُ، ويُعْمِي بَصِيرَتَهُ، ويَخْتِمُ على قَلْبِهِ وسَمْعِهِ، ويَجعَلُ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً، وللهِ الحُجَّةُ التَّامَّةُ، والحِكْمَةُ البَالِغَةُ.

أمَّا قَولُهُ تعالى: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ فَهُوَ دَلِيلٌ على فَضْلِ اللهِ تعالى على المُؤمِنِينَ، حَيثُ اخْتَصَّهُمْ بِمَا لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدَاً من الخَلْقِ، فَجَعَلَهُمُ الوَارِثِينَ للكِتَابِ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾. وجَعَلَهُم من أَتبَاعِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وجَعَلَ شَرْعَهُم نَاسِخَاً لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
3495 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2024-08-01
 274
مَا تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾؟
رقم الفتوى : 13237
 السؤال :
 2024-07-25
 29
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
رقم الفتوى : 13230
 السؤال :
 2024-07-25
 75
مَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13229
 السؤال :
 2024-07-25
 58
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13228
 السؤال :
 2023-08-07
 147
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1740
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4860
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417759142
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :