الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ على أَنَّهُ لَا بُدَّ لِانْعِقَادِ العَقْدِ مِنْ تَوَافُقِ الإِيجَابِ مَعَ القَبُولِ، وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَنْ يَكُونَ القَبُولُ مُتَّصِلَاً بِالإِيجَابِ، وَيَحْصُلُ هَذَا الاتِّصَالُ بِاتِّحَادِ مَجْلِسِ العَقْدِ، بِأَنْ يَقَعَ الإِيجَابُ وَالقَبُولُ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
كَمَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّه لَا تُشْتَرَطُ الفَوْرِيَّةُ في القَبُولِ، فَمَا دَامَ المُتَعَاقِدَانِ في المَجْلِسِ، وَصَدَرَ الإِيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَصْدُرِ القَبُولُ إلا في آخِرِ المَجْلِسِ، تَمَّ العَقْدُ عِنْدَهُمْ، فَلَا يَضُرُّ التَّرَاخِي بَيْنَ الإِيجَابِ وَالقَبُولِ إِذَا صَدَرَ في مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
وَإِذَا تَمَّ التَّعَاقُدُ بَيْنَ غَائِبَيْنِ لَا يَجْمَعُهُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَرَى أَحَدُهُمَا الآخَرَ مُعَايَنَةً، وَلَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَكَانَتْ وَسِيلَةُ الاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا بِالكِتَابَةِ أَو الرِّسَالَةِ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ عَلَى البَرْقِ وَالتِّلِكْسِ وَالفَاكْسِ وَالكُمْبُيُوتَرِ فَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يَنْعَقِدُ العَقْدُ عِنْدَ وُصُولِ الإِيجَابِ إلى المُوَجَّهِ إِلَيْهِ وَقَبُولِهِ؛ فَإِذَا حَدَّدَ للقَبُولِ مُدَّةً كَانَ ذَلِكَ مُلْزِمَاً بِالبَقَاءِ على إِيجَابِهِ خِلَالَ تِلْكَ المُدَّةِ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.
وبناء على ذلك:
فَالعَقْدُ يَتِمُّ وَيَنْعَقِدُ عِنْدَ وُصُولِ الإِيجَابِ إلى المُوَجَّهِ إِلَيْهِ وَقَبُولِهِ، إِذَا لَمْ تُحَدَّدْ مُدَّةٌ للقَبُولِ، فَإِذَا حُدِّدَتْ مُدَّةٌ للقَبُولِ كَانَتْ مُلْزِمَةً للمُوجِبِ، وَالمُوَالَاةُ بَيْنَ الإِيجَابِ وَالقَبُولِ بِحَسَبِ العُرْفِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |