الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ سَبْعِينَ سَنَةً، فَإِذَا أَوْصَى حَافَ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الشَّرِّ سَبْعِينَ سَنَةً، فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ».
وَيَقُولُ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللهُ تعالى: لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ المُؤْمِنِينَ الفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللهِ بِالحِيَلِ المُوصِلَةِ إلى إِبْطَالِ الحَقِّ.
وَالحِيَلُ لِإِبْطَالِ الحَقِّ مِنْ أَفْعَالِ اليَهُودِ الذينَ اسْتَحَقُّوا بِهَا اللَّعْنَ وَالطَّرْدَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وَالنَّظَرُ في مَآلَاتِ الأَفعَالِ مُعْتَبَرٌ مَقْصُودٌ شَرْعَاً.
وَقَدْ نَصَّ الإِمَامُ الشَّاطِبِيُّ في المُوَافَقَاتِ، و قَالَ عَنِ الحِيَلِ: حَقِيقَتُهَا المَشْهُورَةُ تَقْدِيمُ عَمَلٍ ظَاهِرِ الْجَوَازِ لِإِبْطَالِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحْوِيلِهِ فِي الظَّاهِرِ إِلَى حُكْمٍ آخَرَ، فَمَآلُ الْعَمَلِ فِيهَا خَرْمُ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ فِي الْوَاقِعِ.
وبناء على ذلك:
فَهَذَا الفِعْلُ لَا يَجُوزُ شَرْعَاً، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى حُدُودَ اللهِ تعالى؛ لِأَنَّ اللهَ قَسَّمَ التَّرِكَةَ قِسْمَةً عَادِلَةً، وَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، قَالَ تعالى في آخِرِ آيَاتِ المَوَارِيثِ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارَاً خَالِدَاً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
وَتَصَوَّرْ يَا أَخِي السَّائِلَ لَو كُنْتَ رَجُلَاً فَقِيرَاً، كَيْفَ سَتَتْرُكُ بَنَاتِكَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكَ، كَمْ سَتَتَوَسَّلُ لِإِخْوَتِكَ مِنْ أَجْلِ رِعَايَتِهِنَّ؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلَاً سَدِيدَاً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً﴾. ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافَاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلَاً سَدِيدَاً﴾. وَقَد أَضَافَ أُستاذُنا الدُّكتور أَحْمَد الَحجِّي الكُردي حَفِظَهُ اللهُ تَعَالى عَلى الجَوابِ مَا يَلي: [أَرَى أَنَّهُ لَوْ تَنَازَلَ عَنْ بَعْضِ أَمْلاكِهِ لَهُنَّ لا كُلِّهَا فِي حَياتِهِ لِمَزِيدِ حَاجَتِهِنَّ جَازَ]. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |