الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ روى الترمذي وَغَيْرُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا (مُقَدِّمَةِ عُنُقِهَا) وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا (تَجْتَرُّ الطَّعَامَ، تَبْتَلِعُ اللُّقْمَةَ التي اجْتَرَّتْهَا، تُعَلِّلُ نَفْسَهَا إلى وَقْتِ عَلَفِهَا) وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».
وروى الدارقطني عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ».
وروى الدارقطني والبيهقي عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ».
وَقَدْ أَجَازَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ في المَذْهَبِ إلى أَنَّ الوَصِيَّةَ للوَارِثِ صَحِيحَةٌ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الوَصِيَّةَ لَا تُنَفَّذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُهَا إِلَّا بِإِجَازَةِ الوَرَثَةِ، كَمَا بَيَّنَهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ تُنَفَّذُ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الوَرَثَةُ البَالِغُونَ، وَالأَوْلَى تَرْكُهَا، لِأَنَّ في ذَلِكَ إِيثَارًا لِبَعْضِ الوَرَثَةِ دُونَ الآخَرِينَ، وَهَذَا قَدْ يُؤَدِّي إلى شِقَاقٍ وَنِزَاعٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ وَإِثَارَةِ البَغْضَاءِ وَالحَسَدِ بَيْنَ الوَرَثَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |