الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرِّ المُخْتَارِ وَحَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ: رُوِيَ أَنَّ رَجُلَاً وَجَدَ تَمْرَةً مُلْقَاةً، فَأَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا مِرَارَاً، وَمُرَادُهُ إظْهَارُ وَرَعِهِ وَدِيَانَتِهِ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كُلْهَا يَا بَارِدَ الْوَرَعِ؛ فَإِنَّهُ وَرَعٌ يَبْغَضُهُ اللهُ تَعَالَى؛ وَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ. اهـ.
وبناء على ذلك:
فَاللهُ تعالى أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذَا القَوْلِ المَنْسُوبِ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَكِنَّ المَعْنَى صَحِيحٌ، لِأَنَّ الفُقَهَاءَ نَصُّوا على أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الوَرَعِ يُعَزَّرُ، لِأَنَّهُ وَرَعٌ بَارِدٌ، حَيْثُ يُعَرِّفُ عَنْ ثَمَرَةٍ، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الوَرَعِ، أَمَّا لَو سَتَرَ نَفْسَهُ فَهُوَ مَمْدُوحٌ؛ كَمَا جَاءَ في البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، أَنَّ امْرَأَةً ـ وَهِيَ أُخْتُ بِشْرٍ الحَافِي ـ ذَهَبَتْ إلى الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلَ فَقَالَتْ: إِنِّي رُبَّمَا طَفِئَ السِّرَاجُ، وَأَنَا أَغْزِلُ على ضَوْءِ القَمَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ عِنْدَ الْبَيْعِ أَنْ أُمَيِّزَ هَذَا مِنْ هَذَا؟
فَقَالَ: إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَمَيِّزِي للمُشْتَرِي. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |