الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَبْلَ أَنْ أُفِيدَ الزَّوْجَةَ بِبَعْضِ النَّصَائِحِ، أُحِبُّ أَنْ أُذَكِّرَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكُلَّ رَجُلٍ فِينَا، بِمَا يَلي:
أولاً: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في أَنْفُسِنَا وَأَهْلِنَا وَأَزْوَاجِنَا وفي أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ، وَلَا خَيْرَ في رَجُلٍ لَا يَرَى عِرْضَ المُسْلِمِينَ أَنَّهُ عِرْضُهُ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»؟ رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
مَنْ يَرْضَى أَنْ يَتَكَلَّمَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ مَعَ عِرْضِهِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ؟
ثانياً: أَخْطَرُ فِتْنَةٍ على الرَّجُلِ هِيَ المَرْأَةُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رواه الشيخان عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَالمَرْأَةُ أُوتِيَتْ لِسَانَاً إِذَا خَضَعَتْ فِيهِ أَفْسَدَتْ دِينَ الرَّجُلِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفَاً﴾.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ـ قَالَهَا ثَلَاثَاً ـ» رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَهَذِهِ خَلْوَةٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ، وَلَو زَعَمَ الرَّجُلُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ النُّصْحَ، فَالرَّجُلُ لَيْسَ مَسْؤُولَاً عَنْ بَنَاتِ المُسْلِمِينَ لِكَيْ يُوَجِّهَهُنَّ، بَلْ هُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ بَيْتِهِ، وَكُلُّ رَجُلٍ مَسْؤُولٌ عَنْ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ تُوَجِّهُهَا امْرَأَةٌ، أَو رَجُلٌ يُوَجِّهُ النِّسَاءَ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ، دُونَ ارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا عَنْ طَرِيقِ الهَاتِفِ، وَمُوَاعَدَةٍ في سَاعَاتِ الاتِّصَالِ.
وَهَلِ الرَّجُلُ بِوُسْعِهِ أَنْ يُعْلِمَ وَالِدَ الفَتَاةِ أَوْ أَحَدَاً منْ مَحَارِمِهَا بِأَنَّهُ على صِلَةٍ مَعَهَا لِنُصْحِهَا وَتَوْجِيهِهَا وَتَقْوِيمِهَا؟
ثالثاً: على هَذَا الرَّجُلِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ تعالى في أَقْوَالِهِ، فَعِنْدَمَا يَقُولُ: القَدَرُ سَاقَهُ؛ هَلَّا فَكَّرَ في هَذِهِ الكَلِمَةِ؟ هَلْ سَاقَهُ القَدَرُ، أَمْ هُوَ بِاخْتِيَارِهِ سَاقَ نَفْسَهُ إلى هَذِهِ المَعْصِيَةِ، وَجَاءَ ذَلِكَ مُوَافِقَاً لِمَا هُوَ في عِلْمِ اللهِ تعالى؟
وَكَانَ مِنَ المَفْرُوضِ على هَذَا الرَّجُلِ الذي كَمَا يَقُولُ: سَاقَهُ القَدَرُ إلى ذَلِكَ، أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ تعالى بَعْدَ وُقُوعِهِ في هَذِهِ المَعْصِيَةِ، حَيْثُ دَخَلَتْ تِلْكَ المَرْأَةُ على حَيَاتِهِ الزَّوْجِيَّةِ، وَكَادَتْ أَنْ تُفْسِدَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ الزَّوْجِيَّةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدَاً عَلَى سَيِّدِهِ» رواه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَهَذَا يَنْطَبِقُ على المَرْأَةِ التي تُفْسِدُ حَيَاةَ زَوْجَةٍ مَعَ زَوْجِهَا، فَأَيُّ خَيْرٍ في هَذِهِ المَرْأَةِ التي تُفْسِدُ على امْرَأَةٍ حَيَاتَهَا مَعَ زَوْجِهَا؟
رابعاً: قَوْلُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ: اصْبِرِي وَاحْتَسِبِي، فَإِنَّ الجَنَّةَ غَالِيَةٌ تَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ على المَصَائِبِ، كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ هَلَّا كَانَ هَذَا القَوْلُ لِنَفْسِهِ أَوَّلَاً، وَأَنْ يَأْمُرَهَا بِالصَّبْرِ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَالصَّبْرِ على الطَّاعَةِ، وَالصَّبْرِ على المُعَاشَرَةِ لِأَهْلِهِ بِالمَعْرُوفِ، فَأَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾؟
خامساً: أَنَا أَنْصَحُ الزَّوْجَةَ بِالصَّبْرِ وَالمُصَابَرَةِ، وَأَنْ لَا تُفَكِّرَ في مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ رَحْمَةً بِنَفْسِهَا، وَرَحْمَةً بِأَوْلَادِهَا، لِأَنَّ طَلَاقَهَا مَاذَا يَنْفَعُهَا إِذَا تَمَّ، هَلْ سَتَرْتَاحُ؟
وَعَلَيْهَا أَنْ تُكْثِرَ مِنَ الدُّعَاءِ لِزَوْجِهَا، وَتَقُولَ: يَا رَبِّ، قَلْبِي وَقَلْبُهُ بِيَدِكَ، فَاصْرِفْ قُلُوبَنَا إلى مَا يُرْضِيكَ عَنَّا.
وبناء على ذلك:
فَأَقُولُ للزَّوْجِ مُذَكِّرَاً بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللهِ، لَا تُنَفِّرُوهَا، فَقَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ» رواه أبو يعلى عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. لَقَدْ كُنْتَ في نِعْمَةِ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالسَّكَنِ، فَلَا تُحَوِّلْ هَذِهِ النِّعْمَةَ للزَّوَالِ.
وَاتَّقِ اللهَ تعالى في أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَعِرْضُ المُسْلِمِينَ وَاحِدٌ؛ وَاتَّقِ اللهَ تعالى في زَوْجَتِكَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ﴾؟
وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»؟ رواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
وَمِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾؟ وَمِنْ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾؟
وَأَقُولُ للزَوْجَةِ: اصْبِرِي وَصَابِرِي، وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئَاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وَأَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَرُدَّنَا جَمِيعَاً إلى دِينِهِ رَدَّاً جَمِيلَاً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |