الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الحاكم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يَدْعُونَ اللهَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهَاً مَالَهُ وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾». وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
الأَوَّلُ: رَجُلٌ مُتَزَوِّجٌ مِنِ امْرَأَةٍ سَيِّئَةِ الخُلُقِ، إِذَا دَعَا اللهَ تعالى عَلَيْهَا لَا يُسْتَجَابُ لِدُعَائِهِ، لِأَنَّهُ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُصْلِحَهَا بِالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، أَو بِالهَجْرِ، أَو بِالضَّرْبِ غَيْرِ المُبَرِّحِ، أَو بِإِرْسَالِ حَكَمٍ مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمٍ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حَالُهَا، وَلَمْ تَرْجِعْ عَنْ أَخْلَاقِهَا السَّيِّئَةِ، وَرَضِيَ هُوَ بِسُوءِ خُلُقِهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا، فَإِنَّ دُعَاءَهُ عَلَيْهَا لَا يُسْتَجَابُ، لِأَنَّهُ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ إِذَا يَئِسَ مِنْ إِصْلَاحِهَا.
الثَّانِي: رَجُلٌ أَدَانَ آخَرَ مَالَاً، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى دَيْنِهِ، وَلَمْ يُوَِثِّقِ الدَّيْنَ، وَلَمْ يَأْخُذْ رَهْنَاً لِدَيْنِهِ، فَأَنْكَرَ المَدِينُ الدَّيْنَ، فَإِذَا دَعَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَلَا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ في حَقِّ المَدِينِ، لِأَنَّهُ أَقْرَضَ بِدُونِ تَوْثِيقِ الدَّيْنِ.
الثَّالِثُ: رَجُلٌ آتَى سَفِيهَاً مَالَهُ، وَخَالَفَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾. فَبَدَّدَ السَّفِيهُ المَالَ؛ فَإِذَا دَعَا الوَلِيُّ عَلَى السَّفِيهِ فَإِنَّ دُعَاءَهُ لَا يُسْتَجَابُ في حَقِّ السَّفِيهِ، لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ اللهِ تعالى بِإِعْطَاءِ السَّفِيهِ مَالَهُ.
وبناء على ذلك:
فَإِذَا دَعَا الرَّجُلُ عَلَى زَوْجَتِهِ السَّيِّئَةِ الأَخْلَاقِ، فَإِنَّ دُعَاءَهُ عَلَيْهَا لَا يُسْتَجَابُ، لِأَنَّهُ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُعَالِجَ سُوءَ أَخْلَاقِهَا بِالطَّرِيقِ الذي بَيَّنَهُ اللهُ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾. وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾. فَإِنْ لَمْ يُفْلِحْ فَلْيَلْتَزِمْ قَوْلَ الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلَّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعَاً حَكِيمَاً﴾. فَلِمَاذَا يَدْعُو عَلَيْهَا؟
فَإِمَّا أَنْ يَصْبِرَ عَلَى سُوءِ أَخْلَاقِهَا لِيَنَالَ الوَعْدَ مِنَ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا؛ أَمَّا أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهَا، فَلَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ.
وَهَكَذَا في شَأْنِ الرَّجُلَيْنِ الآخَرَيْنِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |