الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِذَا سَقَطَتْ فَأْرَةٌ في مَاءٍ كَثِيرٍ وَمَاتَتْ، يَجِبُ إِخْرَاجُ الفَأْرَةِ مِنْهُ أَوَّلَاً، وَلَا يَنْجُسُ هَذَا المَاءُ إِذَا كَانَ كَثِيرَاً، إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، اللَّوْنُ أَو الطَّعْمُ أَو الرَّائِحَةُ.
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الحِيَضُ، وَلُحُومُ الكِلَابِ، وَالنَّتْنُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».
وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ في المُصًنَّفِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ دَجَاجَةٍ وَقَعَتْ في بِئْرٍ فَمَاتَتْ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا، وَيَشْرَبَ، إِلَّا أَنْ تَنَتَّنَ حَتَّى يُوجَدَ رِيحُ نَتَنِهَا في المَاءِ فَتُنْزَحَ.
فَإِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِ المَاءِ، يَجِبُ إِزَالَةُ هَذَا التَّغْيِيرِ وَالرُّجُوعُ بِالمَاءِ إلى صِفَاتِهِ الأَصْلِيَّةِ، وَذَلِكَ بِإِضَافَةِ مَاءٍ كَثِيرٍ إِلَيْهِ حَتَّى يَزُولَ التَّغْيِيرُ، وَإِذَا كَانَ بِئْرَاً بِالنَّزْحِ مِنْهُ.
وَالمَاءُ الكَثِيرُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ مَا يُوَازِي عَشَرَةَ أَذْرُعٍ في عَـشْرٍ، دُونَ اعْتِبَارٍ للعُمْقِ مَا دَامَ القَاعُ لَا يَظْهَرُ بِالاغْتِرَافِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ المَاءُ الكَثِيرُ مَا بَلَغَ قِلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَقَدْ قَدَّرَ الفُقَهاءُ القِلَّتَينِ بِخَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ عِرَاقِيٍّ تَقْرِيبَاً، وَهُوَ يُسَاوِي مِئَتَيْنِ وَأَرْبَعَ كِيلُو غرَامٍ، وَمِئَةً وَخَمْسِينَ لِتْرَاً وَنِصْفَ اللِّتْرِ تَقْرِيبَاً.
وَالمَاءُ القَلِيلُ مَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ.
وبناء على ذلك:
فَإِذَا وَقَعَتِ الفَأْرَةُ في مَاءٍ قَلِيلٍ تَنَجَّسَ، وَإِذَا وَقَعَتْ في مَاءٍ كَثِيرٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهَا مِنْهُ، وَيَبْقَى طَاهِرَاً، إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَتْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ وَجَبَ تَطْهِيرُ المَاءِ كَمَا ذُكِرَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |