﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً﴾

8702 - ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً﴾

27-02-2018 5593 مشاهدة
 السؤال :
ما تفسير قول الله تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 8702
 2018-02-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو، أَحَدُ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ؟».

قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا، هَيْئَتُهُ كَذَا.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ».

وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ: «يَا عَبَّاسُ، افْدِ نَفْسَكَ، وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ ـ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ـ».

قَالَ: فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ مُسْلِمَاً قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِي.

قَالَ: «اللهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ، إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِي حَقَّاً، فَاللهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ، فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْدِ نَفْسَكَ».

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِـشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْسُبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ.

قَالَ: «لَا، ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللهُ مِنْكَ».

قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ.

قَالَ: «فَأَيْنَ المَالُ الَّذِي وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ، حَيْثُ خَرَجْتَ، عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ، وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا، فَقُلْتَ: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَلِلْفَضْلِ كَذَا، وَلِقُثَمَ كَذَا، وَلِعَبْدِ اللهِ كَذَا؟».

قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي وَغَيْرُهَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ.

وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: فَفَدَى الْعَبَّاسُ نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلِمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾..

يَقُولُ العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَعْطَانِي مَكَانَ الْعِشْرِينِ الْأُوقِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدَاً، كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَـضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. اهـ.

وَيَقُولُ سَيِّدُنَا العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ: وَدِدْتُ لَوْ أَخَذَ مِنِّي أَضْعَافَهَا، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ﴾.

وبناء على ذلك:

فَهَذِهِ الآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ في ظَاهِرِ الأَمْرِ نَزَلَتْ في حَقِّ  سَيِّدِنَا العَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَو في حَقِّ أُسَارَى بَدْرٍ، فَهِيَ مُطْلَقَةٌ، لِأَنَّ العِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.

وَفِي الآيَةِ إِرْشَادٌ للأُمَّةِ بِأَنَّ اللهَ تعالى يَنْظُرُ إلى قُلُوبِ العِبَادِ وَمَا فِيهَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

فَاللهُ تعالى يَعْلَمُ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، لِأَنَّ اللهَ تعالى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾.

فَاللهُ تعالى يُعَامِلُ خَلْقَهُ مِنْ خِلَالِ مَا تَحْتَوِيهُ قُلُوبُهُمْ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾.

فَصَاحِبُ القَلْبِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ يَتَوَلَّاهُ اللهُ تعالى وَيُسَدِّدُهُ في جَمِيعِ شُؤُونِهِ، وَيُؤْتِيهِ خَيْرَاً مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ في سَائِرِ أَحْوَالِهِ.

لِذَا عَلَيْنَا أَنْ نَهْتَمَّ بِطَهَارَةِ قُلُوبِنَا، وَأَنْ لَا يَرَى فِيهَا مَوْلَانَا جَلَّ وَعَلَا إِلَّا مَا يُرْضِيهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِيهَا خَيْرَاً لَا شَرَّاً، وَخَاصَّةً عَلَى خَلْقِ اللهِ تعالى، وَإِذَا تَطَهَّرَتِ القُلُوبُ اسْتَقَامَتِ الجَوَارِحُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلْبُ» رواه الشيخان عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا، وَلَا تَجْعَلْ فِيهَا إِلَّا خَيْرَاً. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
5593 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2024-08-01
 808
مَا تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾؟
رقم الفتوى : 13237
 السؤال :
 2024-07-25
 358
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
رقم الفتوى : 13230
 السؤال :
 2024-07-25
 464
مَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13229
 السؤال :
 2024-07-25
 319
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13228
 السؤال :
 2023-08-07
 494
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1975
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5670
المقالات 3204
المكتبة الصوتية 4879
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 421851872
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :