الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى أَنَّ الوِتْرَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ».
وَاسْتَدَلُّوا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ».
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟
قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ».
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟
فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ».
وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ.
فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟
قَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ».
قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ، لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» رواه الشيخان عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، أَنَّ رَجُلَاً مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى المُخْدَجِيَّ: سَمِعَ رَجُلَاً بِالشَّامِ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ: الْوِتْرُ وَاجِبٌ.
قَالَ المُخْدَجِيُّ: فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ إِلَى المَسْجِدِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ عُبَادَةُ: كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ، مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئَاً اسْتِخْفَافَاً بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ».
وروى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: الوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلَاتِكُمُ المَكْتُوبَةِ، وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ القُرْآنِ».
وَخَالَفَ في ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَقَالَ: إِنَّ الوِتْرَ وَاجِبٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا، الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا، الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ» رواه الإمام أحمد عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وبناء على ذلك:
فَصَلَاةُ الوِتْرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَوَاجِبَةٌ عِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَ اللهُ تعالى الجَمِيعَ.
وَيَنْبَغِي عَلَى الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤَاخَذُ إِنْ تَرَكَهَا يَوْمَاً عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَلَكِنْ يُنْصَحُ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ فَاتَتْهُ يُنْصَحُ بِقَضَائِهَا.
أَمَّا عِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تعالى يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهَا، وَإِنْ فَاتَتْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَيَكُونُ آثِمَاً بِتَرْكِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا كَسَلَاً وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، لَا يُكْفَرُ مُنْكِرُهَا وَتَارِكُهَا عَمْدَاً. هذا، والله تعالى أعلم.