الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالضيافة من مكارم الأخلاق ومن آداب الإسلام، وهي خلق النبيين والصالحين، وهي سنة سيدنا إبراهيم خليل الرحمن والأنبياء من بعده عليهم الصلاة والسلام، وقد رغَّب فيها الإسلام، وعدَّها من علامات صدق الإيمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيمن لا يُضِيف» رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم: «الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يُؤثِمَهُ، قالوا: يا رسول الله وكيف يُؤثِمُهُ؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به» رواه مسلم.
ومن آداب المضيف:
1ـ إيناس ضيفه بالحديث الطيب عند دخول الضيف وعند خروجه.
2ـ ألا يتكلَّف لضيفه ما لا يطيق، لما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: نُهينا عن التكلُّف.
وروى الحاكم والطبراني عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلُّف لتكلَّفت لكم.
وروى الدارقطني بسند ضعيف عن الزبير بن العوام رضي الله عنه مرفوعاً: «ألا إني بريء من التكلُّف وصالحو أمتي»، وهو وإن كان ضعيفاً فالمعنى صحيح للأحاديث السابقة.
3ـ أن يقول لضيفه (كُلْ) أحياناً من غير إلحاح.
4ـ أن يخدم المُضيف ضيفَه بنفسه، لا بخادم، لأن هذا ليس من إكرام الضيف.
5ـ أن يبادر إلى إكرام ضيفه، ويقدِّم له أجود ما عنده، كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: 26 ـ 27].
6ـ أن يُظهر السرور بأكل ضيفه.
ومن آداب الضيف:
1ـ أن يجلس حيث يُجلسه صاحب البيت.
2ـ ألا يقوم الضيف إلا بإذن المُضيف.
3ـ أن يدعو الضيف بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة» رواه أبو داود.
وبناء على ذلك:
فلا حرج في التوسعة على الضيف بدون تكلُّف، لأن التكلُّف ممقوت في شرعنا، بل إحضار الكثير الموجود عند المضيف مستحبٌّ، كما فعل سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولا يعتبر هذا من الإسراف، لأن الإسراف المنهيَّ عنه هو صرف المال في المعاصي، وفيما لا ينبغي لو كان المال قليلاً، وكذلك من الإسراف المنهي عنه الأكل من الطعام حتى التخمة.
وإذا أحضر المضيف الطعام الكثير لضيفه وفضل من الطعام شيء فيحرم عليه أن يلقي الطعام في القمامة، بل عليه أن يرعى هذه النعمة بردِّها لعياله أو لأصحاب الحاجة. هذا، والله تعالى أعلم.