الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الإمام أحمد عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعَاً، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا، وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ؟
قَالَ: «فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعَاً، فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ».
وروى أبو داود عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: ابْتَعْتُ زَيْتَاً فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْتُهُ لِنَفْسِي، لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي بِهِ رِبْحَاً حَسَنَاً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْتَهُ، حَتَّى تَحُوزَهُ إِلَى رَحْلِكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ، حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ.
وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامَاً، فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ ـ وفي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَقْبِضَهُ ـ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ.
وَنَصَّ الفُقَهَاءُ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى شَيْئَاً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَبِيعَ البَرَّادَ لِغَيْرِ البَائِعِ إِلَّا إِذَا دَخَلَ البَرَّادُ في مِلْكِكَ وَضَمَانِكَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَحْوِيلِهِ مِنْ مَكَانِ البَيْعِ، أَو أَنْ تَقُولَ للبَائِعِ: دَعِ البَرَّادَ عِنْدَكَ أَمَانَةً، حَتَّى آخُذَهُ؛ عِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَبِيعَهُ لِغَيْرِ البَائِعِ، لِأَنَّهُ صَارَ في مِلْكِكَ، وَيَدُ البَائِعِ عَلَيْهِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَإِذَا هَلَكَ أَو تَلِفَ أَو سُرِقَ فَهُوَ لَيْسَ بِضَامِنٍ، إِلَّا إِذَا كَانَ مُقَصِّرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.