الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: لَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ في أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ أَكْثَرُ مِن وَاحِدٍ في قَبْرٍ وَاحِدٍ إِلَّا لِـضَرُورَةٍ، كَضِيقِ مَكَانٍ، أَو تَعَذُّرِ حَافِرٍ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْفِنُ كُلَّ مَيْتٍ في قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا كَانَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ.
يَقُولُ سَيِّدُنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَـفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ. رواه الإمام البخاري.
ثانياً: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتَاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾. فَاللهُ تعالى جَعَلَ الأَرْضَ أُمَّاً للإِنْسَانِ، في حَيَاتِهِ تُطْعِمُهُ، وَفي مَمَاتِهِ تُؤْوِيهِ.
وَلَكِنْ وَبِكُلِّ أَسَفٍ سُوءُ تَنْظِيمٍ، تَرَى تَجَمُّعَاً للنَّاسِ في سُكْنَاهُمْ حَتَّى يَضِيقَ المَكَانُ بِهِمْ، وَبِجَانِبِ ذَلِكَ تَرَى مَسَافَاتٍ شَاسِعَةً وَاسِعَةً لَا أَحَدَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ المَقَابِرُ وَبِكُلِّ أَسَفٍ.
وبناء على ذلك:
فَالأَصْلُ في دَفْنِ المَوْتَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَيْتٍ في قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ اثْنَانِ في قَبْرٍ وَاحِدٍ إِلَّا لِضَرُورَةٍ.
فَإِذَا كَانَ النَّاسُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ لِدَفْنِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ في قَبْرٍ وَاحِدٍ بِشَكْلِ طَابِقٍ فَلَا حَرَجَ في ذَلِكَ، بِشَرْطِ أَنْ يُغْلَقَ القَبْرُ الأَسْفَلُ نِهَائِيَّاً بِأَدَوَاتٍ دَائِمَةٍ، كَالإِسْمَنْتِ، ثُمَّ يُفْتَحَ قَبْرٌ جَدِيدٌ فَوْقَهُ. هذا، والله تعالى أعلم.