الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإِقَامَةَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الجُمُعَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا تَجِبُ الجُمُعَةُ عَلَى المُسَافِرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا مَرِيضٌ، أَوْ مُسَافِرٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَمْلُوكٌ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْهَا بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ، اسْتَغْنَى الله عَنْهُ، وَاللهُ غَنِيٌّ حُمَيْدٌ» رواه البيهقي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وَيَسْتَمِرُّ سُقُوطُهَا عَنِ المُسَافِرِ مَا دَامَ مُسَافِرَاً، وَلَمْ يَقْطَعْ سَفَرَهُ بِالعَوْدَةِ إلى وَطَنِهِ، أَو الإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَاً فَأَكْثَرَ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ.
ثانياً: صَلَاةُ الجُمُعَةِ تَخْتَلِفُ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ في أَكْثَرَ مِنْ وَجْهٍ، فَهِيَ صَلَاةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَمُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَلَهَا شُرُوطٌ مُتَعَدِّدَةٌ تَخْتَلِفُ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ.
وبناء على ذلك:
فَصَلَاةُ الجُمُعَةِ لَا تَجِبُ عَلَى المُسَافِرِ، وَإِنْ صَلَّاهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَن يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ، كَمَا يَفْعَلُ المُسَافِرُ، يَجْمَعُ الظُّهْرَ وَالـعَصْرَ، لِأَنَّ صَلَاةَ الجُمُعَةِ لَهَا شُرُوطُهَا الخَاصَّةُ دُونَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ.
وَخَالَفَ في ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَقَالُوا بِجَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ، لِأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا الجُمُعَةَ بَدَلَاً مِنَ الظُّهْرِ، وَلَمَّا جَازَ للمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ، جَازَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الجُمُعَةِ وَالعَصْرِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |