دليل حرمة دفن ميت على ميت

9443 - دليل حرمة دفن ميت على ميت

01-02-2019 1565 مشاهدة
 السؤال :
سمعنا منك تحدث عن حرمة دفن ميت على ميت، فهل يوجد دليل على ذلك من أقوال الفقهاء؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 9443
 2019-02-01

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: مِنَ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ وَالعُلَمَاءِ أَنَّ حُرْمَةَ الإِنْسَانِ المُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ تعالى لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا اللهُ تعالى، وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَحُرْمَةُ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا إلى عَالَمِ البَرْزَخِ، وَلَقَدْ نَهَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْرِ عَظْمِ المَيْتِ، وَأَخْبَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَظْمَ المَيْتِ إِذَا كُسِرَ فَكَأَنَّمَا كُسِرَ وَهُوَ حَيٌّ، وَمَنْ كَسَرَ عَظْمَ مَيْتٍ كَانَ آثِمَاً.

روى ابن ماجه عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الحَيِّ فِي الإِثْمِ».

وروى أبو داود وابن ماجه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيَّاً».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمُؤْمِنِ مَيْتَاً، مِثْلُ كَسْرِهِ حَيَّاً».

بَلْ حَرَّمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الجُلُوسَ عَلَى القَبْرِ، وَذَلِكَ احْتِرَامَاً وَتَقْدِيرَاً للإِنْسَانِ المُؤْمِنِ، فَحُرْمَتُهُ مَيْتَاً كَحُرْمَتِهِ حَيَّاً.

روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ».

وروى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَّكَأً عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ: «لَا تُؤْذِ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ ـ أَوْ لَا تُؤْذِهِ ـ».

ثانياً: لَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ نَبْشِ القَبْرِ، وَدَفْنِ مَيْتٍ آخَرَ فِيهِ، مَا لَمْ يَبْلَ المَيْتُ الأَوَّلُ؛ وَإِلَيْكَ بَعْضَ أَقْوَالِهِمْ:

فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ:

جَاءَ في رَدِّ المُحْتَارِ: قَالَ فِي الفَتْحِ، وَلَا يُحْفَرُ قَبْرٌ لِدَفْنِ آخَرَ إلَّا إنْ بَلِيَ الأَوَّلُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَظْمٌ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ (يَعْنِي: قَبْرٌ) فَتُضَمُّ عِظَامُ الأَوَّلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. اهـ.

ثُمَّ يَقُولُ: وَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الحَفَّارِينَ مِنْ نَبْشِ الْقُبُورِ الَّتِي لَمْ تَبْلُ أَرْبَابُهَا، وَإِدْخَالِ أَجَانِبَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مِنَ المُنْكَرِ الظَّاهِرِ. اهـ.

فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ:

جَاءَ في كِتَابِ نِهَايَةِ المُحْتَاجِ إلى شَرْحِ المِنْهَاجِ: أَمَّا نَبْشُ القَبْرِ بَعْدَ دَفْنِ المَيِّتِ لِدَفْنِ آخَرَ فِيهِ: أَيْ فِي لَحْدِهِ فَمُمْتَنِعٌ مَا لَمْ يَبْلَ الأَوَّلُ وَيَصِرْ تُرَابَاً. اهـ.

وَجَاءَ في المَجْمُوعِ: وَأَمَّا نَبْشُ القَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الأَصْحَابِ، وَيَجُوزُ بِالأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ كَنَحْوِ مَا سَبَقَ، وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ القَبْرِ إذَا بَلِيَ المَيِّتُ وَصَارَ تُرَابَاً، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ. اهـ.

وجَاءَ في كِتَابِ السِّرَاجِ الوَهَّاجِ: أَمَّا نَبْشُ القَبْرِ بَعْدَ دَفْنِ المَيِّتِ لِدَفْنِ ثَانٍ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا بَلِيَ الأَوَّلُ وَصَارَ تُرَابَاً. اهـ.

فُقَهَاءُ المَالِكِيَّةِ:

جَاءَ في فِقْهِ العِبَادَاتِ عَلَى المَذْهَبِ المَالِكِيِّ: يَحْرُمُ نَبْشُ القَبْرِ مَا دَامَ يُظَنُّ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِ المَيْتِ.

فُقَهَاءُ الحَنَابِلَةِ:

جَاءَ في فِقْهِ العِبَادَاتِ عَلَى المَذْهَبِ الحَنْبَلِيِّ: يَحْرُمُ نَبْشُ القَبْرِ إِنْ كَانَ يُظَنُّ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِ المَيْتِ فِيهِ.

وَجَاءَ في شَرْحِ زَادِ المُسْتَنْقَعِ: نَبْشُ القَبْرِ هُوَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ ثَبَتَ في مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ المُخْتَفِيَ وَالمُخْتَفِيَةَ (يَعْنِي نَبَّاشَ القُبُورِ).

وَجَاءَ في المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ:

اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ القَبْرِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ.

وَجَاءَ فِيهَا: الأَصْلُ أَنَّ نَبْشَ القَبْرِ قَبْلَ البِلَى عِنْدَ أَهْلِ الخِبْرَةِ بِتِلْكَ الأَرْضِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكٍ لِحُرْمَةِ المَيِّتِ.

وَجَاءَ في كِتَابِ الفِقْهِ عَلَى المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ: يَحْرُمُ نَبْشُ القَبْرِ مَا دَامَ يُظَنُّ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِ المَيْتِ فِيهِ.

وَجَاءَ في كِتَابِ الفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ وَأَدِلَّتِهِ: يَحْرُمُ نَبْشُ القَبْرِ مَا دَامَ يُظَنُّ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِ المَيْتِ فِيهِ: فَلَا تُنْبَشُ عِظَامُ المَوْتَى عِنْدَ حَفْرِ القُبُورِ، وَلَا تُزَالُ عَنْ مَوْضِعِهَا، وَيُتَّقَى كَـسْرُ عِظَامِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الحَيِّ فِي الإِثْمِ» أو «كَـسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيَّاً».

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ المَيْتِ كَحُرْمَتِهِ حَيَّاً، وَأَنَّ المَيْتَ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ، فَقَدْ تَبَوَّأَ مَنْزِلَاً، وَسَبَقَ إِلَيْهِ، فَهُوَ حَبْسٌ عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ التَّعَرُّضُ إِلَيْهِ، وَلَا نَبْشُهُ، لِأَنَّ نَبْشَهُ فِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ المَيْتِ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلى كَسْرِ عَظْمِهِ، وَكَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَـكَسْرِهِ حَيَّاً في الإِثْمِ كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ.

بَلْ وَحَرَّمَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الجُلُوسَ عَلَى القَبْرِ وَالاتِّكَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ.

كَمَا لَعَنَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبَّاشَ القُبُورِ، روى الإمام مَالِكٌ في المُوَطَّإِ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمنِ؛ أَنَّهُ سَمِعَهَا تَقُولُ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُخْتَفِيَ وَالمُخْتَفِيَةَ. يَعْنِي: نَبَّاشَ القُبُورِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
1565 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل متفرقة في الحظر والإباحة

 السؤال :
 2024-08-19
 136
هَلْ يَجُوزُ تَدْلِيكُ الجِسْمِ بِالخَمْرِ لِدَاءٍ حَلَّ فِيهِ؟
 السؤال :
 2024-08-17
 453
مَا حُكْمُ الشَّرْعِ في ذَهَابِ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ إلى مَدِينَةِ المَلَاهِي لِلَّعِبِ في المَرَاجِيحِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَجْلِ إِدْخَالِ الفَرَحِ وَالسُّرُورِ إلى قُلُوبِ الأَوْلَادِ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 1222
زَوْجَتِي صَاحِبَةُ دِينٍ وَخُلُقٍ، إِلَّا أَنَّهَا عِنْدَمَا تَتَحَدَّثُ مَعَ زُمَلَائِهَا في العَمَلِ تُمَازِحُهُمْ، وَتَضْحَكُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهَا النُّصْحَ، وَلَكِنْ بِدُونِ جَدْوَى، فَمَاذَا أَفْعَلُ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 1486
بِسَبَبِ الظُّرُوفِ القَاهِرَةِ في بَلَدِنَا، اضْطُرِرْنَا للسَّفَرِ خَارِجَ القُطْرِ مَعَ زَوْجِي وَأَخِيهِ وَزَوْجَتِهِ، فَمَا الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في السَّكَنِ سَوِيَّةً في مَنْزِلٍ وَاحِدٍ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 816
أَنَا أَهْوَى الرَّسْمَ، وَأَعْلَمُ أَنَّ رَسْمَ ذِي رُوحٍ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ أَرْسُمَ صُورَةَ إِنْسَانٍ مِنْ خَلْفِهِ؟
 السؤال :
 2023-12-29
 727
مَا حُكْمُ الشَّرْعِ في إِقَامَةِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ في البِلَادِ الغَرْبِيَّةِ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5633
المقالات 3197
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419098012
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :