الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فذو النون: هو سيدنا يونس بن متَّى عليه الصلاة والسلام صاحب الحوت، الذي خرج غضبان من قومه مما قاسى منهم لطول دعوتهم، وإصرارهم على الكفر، وتكذيبهم له، فتوعَّدهم إن لم يتوبوا أن ينزل بهم العذاب، فخرج قبل أن يؤمر من الله تعالى، أو يؤذن له بالخروج.
وركب مع قوم في سفينة، فاضطربت بهم، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم في البحر، فوقعت القرعة على سيدنا يونس، كما قال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].
أما قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}. فبعض البسطاء من الناس يظن بأن المعنى أن الله تعالى لا يقدر على يونس، وهذا الظن كبيرة من الكبائر لا يليق بإنسان عادي، فكيف بنبيٍّ من الأنبياء؟
فكلمة (قدر) تأتي بمعانٍ متعددة، من جملتها الضيق، كما قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أي ضُيِّق عليه رزقه.
وكما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30]. أي يضيِّق.
وكما قال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 15 ـ 16]. أي ضيَّق عليه رزقه.
فظنَّ سيدنا يونس عليه السلام أنَّ الله تعالى لن يُضيِّق عليه، بل سيوسِّع عليه ويبدله مكاناً آخر ينفِّس فيه عن كربه. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |