لماذا السجود مرتين

13516 - لماذا السجود مرتين

12-03-2025 756 مشاهدة
 السؤال :
مَا السِّرُّ فِي وُجُوبِ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13516
 2025-03-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

يَقُولُ العَلَّامَةُ المُحَقِّقُ ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَا شَرَعَهُ اللهُ إِنْ ظَهَرَتْ لَنَا حِكْمَتُهُ، قُلْنَا: إِنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ؛ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، مِنْ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى التَّعَبُّدِ نَوْعُ ضَرُورَةٍ يُرْجَعُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ.

وَمِنْ هُنَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي اعْتِبَارِ بَعْضِ الأَحْكَامِ تَعَبُّدِيًّا أَوْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، فَمَا يَرَاهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَعَبُّدِيًّا قَدْ يَرَاهُ الْبَعْضُ الآْخَرُ مُعَلَّلًا بِمَصَالِحَ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رِعَايَتُهَا.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ قَال: إِنَّ تَكْرَارَ السُّجُودِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ، أَيْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ، تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ.

وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرِّ المُخْتَارِ: وَقِيل: إِنَّهُ ثُنِّيَ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، حَيْثُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ مَرَّةً فَلَمْ يَسْجُدْ، فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ. كَذَا فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَمَا مِنْ عِبَادَةٍ يَقُومُ بِهَا العَبْدُ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى إِلَّا وَفِيهَا حِكَمٌ، قَدْ يَعْرِفُهَا العَبْدُ وَقَدْ لَا يَعْرِفُهَا، لِذَلِكَ يَجِبُ الاتِّبَاعُ وَالالْتِزَامُ.

وَلَعَلَّ فِي كَوْنِ السُّجُودِ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إِرْغَامًا لِلشَّيْطَانِ، فَإِبْلِيْسُ أُمِرَ بِالسُّجُوْدِ لِآَدَمَ أَبِي البَشَرِ سُجُوْدَ تَحِيَّةٍ فَأَبَى وَرَفَضَ، وهَا هُوَ الإنسان أُمِرَ بِالسّجُودِ فَسَجَدَ، وَكَانَ سُجُودُهُ مَرَّتَيْنِ تَأْكِيدًا لِطَاعَتِهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَمِ اسْتِكْبَارِهِ كَمَا اسْتَكْبَرَ إِبْلِيسُ وَرَفَضَ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى.

فَتَكْرَارُ السُّجُودِ تَأْكِيدٌ لِلِامْتِثَالِ، كَمَا قَالَ فِي التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، يَعْنِي: إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ.

فَالعَبْدُ يَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِظْهَارًا لِلْخُضُوعِ للهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ فَضْلَ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِ عَظِيمٌ فِي هَذَا السُّجُودِ، لِمَا رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».

وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ تَكْرَارَ السُّجُودِ فِيهِ إِغَاظَةٌ لِلشَّيْطَانِ قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ ـ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي ـ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيِّ قَالَ: لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي اللهُ بِهِ الْجَنَّةَ؟ أَوْ قَالَ قُلْتُ: بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، فَسَكَتَ. ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ؛ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ للهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ للهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً».

قَالَ مَعْدَانُ: ثُمَّ لَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ لِي ثَوْبَانُ

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا نِعْمَةَ السُّجُودِ لِحَضْرَتِكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُنَا فِي أَجْسَادِنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

756 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل متفرقة في الصلاة

 السؤال :
 2025-11-14
 349
مَا حُكْمُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ عَلَيْهِ صَلِيبٌ؟
 السؤال :
 2025-07-21
 619
مَا حُكْمُ تَكْرَارِ السُّورَةِ بَعْدَ الفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ؟
 السؤال :
 2025-05-14
 497
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ إِلَّا بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»؟
 السؤال :
 2024-07-25
 929
هَلِ الاسْتِفْتَاحُ في الصَّلَاةِ مَقْصُورٌ عَلَى قَوْلِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ؛ أَمْ هُنَاكَ صِيَغٌ أُخْرَى؟
 السؤال :
 2024-07-25
 951
مَا حُكْمُ دُعَاءِ الاسْتِفْتَاحِ في الصَّلَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ؟
 السؤال :
 2022-10-27
 74
مَا هِيَ شُرُوطُ صِحَّةِ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، سَوَاءٌ كَانَتْ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَو جَمْعَ تَأْخِيرٍ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5705
المقالات 3255
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 428920490
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :