الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: جَاءَ في المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ: الفُقَهَاءُ فِي المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالمَلَائِكَةِ إِلَّا تَبَعًا، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَى الآْلِ تَبَعًا.
فَأَحَدُ رَأْيَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الآْلِ فِي الصَّلاَةِ وَاجِبَةٌ، تَبَعًا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَال: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَال: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ» فَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَالأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى فِي الْمَذْهَبَيْنِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا قُلْتَ هَذَا ـ أَوْ: قَضَيْتَ هَذَا ـ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ، وَفِي لَفْظٍ: فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ. اهـ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ: «التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».
ثَانِيًا: الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ اسْتِقْلًالًا اخْتَلَفَ فِيهِ الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجُوزُ مُطْلَقًا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: صَلِّ عَلَيَّ وَعَلَى زَوْجِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ».
وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا» ـ قَالَ حَمَّادٌ: فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ ـ قَالَ: «وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ».
وَأَمَّا جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ إِفْرَادُ الصَّحَابَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّ هَذَا صَارَ شِعَارًا لِلْأَنْبِيَاءِ إِذَا ذُكِرُوا عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَعَلَى حَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ؛ فَلَا يُلْحَقُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ.
وَحَمَلَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مَا ذُكِرَ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفِي السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالصَّلَاةُ عَلَى آلِ بَيْتِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ بِنَصِّ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، وَتَكُونُ تَبَعًا للصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ اسْتِقْلَالًا، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ لَا تَجُوزُ اسْتِقْلًالًا، وَلَكِنْ تَجُوزُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلصَّلَوَاتِ الشَّرِيفَةِ عَلَى حَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَيَقُولُ القَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَالَّذِي أَمِيلُ إِلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، قَالُوا: يُذْكَر غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ بِالرِّضَا وَالْغُفْرَانِ وَالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، يَعْنِي اسْتِقْلَالًا، لَمْ تَكُنْ مِنَ الْأَمْر الْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا أُحْدِثَتْ فِي دَوْلَة بَنِي هَاشِمٍ. اهـ كَذَا فِي فَتْحِ البَارِي.
وَيَقُولُ ابْنُ عَسَاكِرَ: قَدِ اخْتُصَّ الأَنْبِيَاءُ بِهَا يُوَقَّرُونَ بِهَا، كَمَا اخْتُصَّ اللهُ تَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ، فَيَنْبَغِي أَلَّا يُشَارِكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ. اهـ كَذَا فِي الدُّرِّ المَنْضُودِ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ المَقَامِ المَحْمُودِ.
وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ، فَهَذَا للهِ تَعَالَى، وَلِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَهُمَا يَخُصَّانِ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا إِذْنٌ فِي ذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَسَاكِرَ: لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَمَنْصِبُهُ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، بِخِلَافِ أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُؤْثِرُوا غَيْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ لَهُ. اهـ كَذَا فِي الدُّرِّ المَنْضُودِ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ المَقَامِ المَحْمُودِ. هذا، والله تعالى أعلم.