تفسير سورة التين

3580 - تفسير سورة التين

16-12-2010 22075 مشاهدة
 السؤال :
أرجو تفسير سورة التين بشرح واضح.
 الاجابة :
رقم الفتوى : 3580
 2010-12-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول ربنا عز وجل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون * وَطُورِ سِينِين * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِين}.

فيقسم ربنا عز وجل بأربعة أماكن كان يهبط الوحي فيها، اختارها الله تعالى من عموم أرضه، قال تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}. من أزمنة وأمكنة وأشخاص.

أقسم ربنا عز وجل بالتين، أي منابت شجر التين، وهي في بلاد الشام، وأقسم بالزيتون، أي منابت شجر الزيتون وهي بلاد فلسطين، وفي ذلك إشارة إلى ما في هاتين الشجرتين من ثمرة مباركة.

وقد كانت بلاد الشام وما حولها من فلسين مهابط وحي الله عز وجل لطائفة جليلة من أنبياء الله عز وجل ورسله عليهم الصلاة والسلام.

وأقسم ربنا عز وجل بطور سينين، وهو الجبل الذي كلَّم الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام عنده من وراء حجاب، ومعنى سينين: المبارك في لغة الحبشة.

وأقسم ربنا عز وجل بالبلد الأمين، وهو مكة البلد الحرام الذي هو أول مهبطٍ وأعظمه من مهابط وحي الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وفيه أول بيت وضع للناس لعبادة الله في الأرض.

ويلاحظ التدرج في الأقسام بحسب أفضليات مهابط الوحي المقسم بها، فأفضلها عند الله عز وجل مكة البلد الأمين، ثم طور سينين، ثم بلاد التين والزيتون.

وذكر مهابط الوحي إشارة إلى الوحي ومضمونه من رسالات ربانية للناس يبلِّغها الأنبياءُ والمرسلون عليهم الصلاة والسلام.

أما قوله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}. فهو جواب القسم، يعني تأكيد على أن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهذا الإنسان يحتاج إلى رسالات لتنير له دربه في هذه الحياة.

ثم يقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين}. أي هذا الإنسان الذي خلقه الله عز وجل في أحسن تقويم، وكرَّمه ربنا عز وجل بإرسال الرسل وإنزال الوحي عليهم من أجل إسعاده في الدنيا والآخرة، كان من أفراده من أنزل نفسه بإرادته الحرة، واتباعه لأهوائه وشهواته، ووساوس الشياطين وتسويلاتهم، فاختار الجحود والكفر والطغيان، والظلم والبغي والعدوان، حتى بلغ بها أحطَّ الدركات، فعاقبه الله تعالى فجعله أسفل السافلين، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون}. وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}. هذا العبد خلقه الله تبارك وتعالى في أحسن تقويم، ولكن بسبب عدم انصياعه واتباعه لأوامر الله عز وجل ردَّه الله تعالى إلى أسفل السافلين والعياذ بالله تعالى، فجعله الله تعالى في أحطِّ الدركات وأخسِّها فصار في دون الكلب والحمار.

ثم يقول الله تبارك وتعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون}. أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات الظاهرة والباطنة، والتزموا أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ففعلوا المأمورات وتركوا المحظورات الظاهرة والباطنة، هؤلاء لهم أجر غير مقطوع، هؤلاء كرَّمهم الله تعالى في الدنيا وفي سائر العوالم، وجعلهم الله تعالى في نعيم دائم، جعلنا الله منهم.

ثم يقول الله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّين}. أي: أيُّ شيء يحملك ويجعلك تُكذِّب بالدين، أي بيوم الجزاء يومِ القيامة؟ ويجعلك تُكذِّب الرسول والكتاب الذي أنزله الله عليه؟ ويجعلك تُكذِّب بالجزاء على الأعمال يوم القيامة؟

وختمت السورة بقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين}؟ فالله عز وجل أحكم الحاكمين، وهو أفضل من يحكم بالعدل، أخرج أحمد وأبو داود عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من قَرَأ منكم: {والتِّين والزيتون} فانتهى إلى قوله: {ألَيسَ اللهُ بأحْكَمِ الحاكمين}؟ فلْيقُلْ: وإنا على ذلك من الشاهدين ، ومَنْ قَرأَ: {لا أُقسِمُ بيوم القيامة} فانتهى إلى قوله: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يُحْيِيَ الموتَى}؟ فليَقُلْ: بَلى وعِزَّةِ رَبِّنا، ومن قرأ: {والمرسلات} فبلغ: {فبأَيِّ حديثٍ بعدَهُ يُؤمِنُونَ}؟ فليقل: آمنا بالله). هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
22075 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 302
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1465
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 663
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1728
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1455
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 983
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414909317
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :