أين نصر الله لعباده؟

13595 - أين نصر الله لعباده؟

23-04-2025 151 مشاهدة
 السؤال :
مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، وَلَكِنَّ السُّؤَالَ: أَيْنَ نَصْرُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ المُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13595
 2025-04-23

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَوَّلًا: لَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ تَعَالَى لَا يُخْلَفُ، وَأَنَّهُ مُحَقَّقٌ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ﴾. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أُولِي الأَلْبَابِ: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.

ثَانِيًا: تَحْقِيقُ الوَعْدِ مِنَ اللهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آمِرًا لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِلنَّاسِ جَمِيعًا: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾؟

أَيْ: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ الكَرِيمُ لِهَؤُلَاءِ الكَافِرِينَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ لَنَا آتٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَعَذَابَ اللهِ لَكُمْ آتٍ ـ أَيْضًا ـ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَلَكِنِّي لَا أَدْرِي وَلَا أَعْلَمُ أَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الوَقْتِ العَاجِلِ القَرِيبِ، أَمْ يَجْعَلُ اللهُ تَعَالَى لِذَلِكَ ﴿أَمَدًا﴾ أَيْ: غَايَةً وَمُدَّةً مُعَيَّنَةً مِنَ الزَّمَانِ، لَا يَعْلَمُ وَقْتَهَا إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَالمَقْصُودُ مِنَ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: بَيَانُ أَنَّ العَذَابَ نَازِلٌ بِهِمْ قَطْعًا وَلَكِنَّ مَوْعِدَهُ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ وَقْتٍ قَرِيبٍ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ وَقْتٍ بَعِيدٍ، لِأَنَّ تَحْدِيدَ هَذَا الوَقْتِ مَرَدُّهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ. أَيْ: أَنَا لَا أَدْرِي مَتَى يَكُونُ عَذَابُكُمْ أَيُّهَا الكَافِرُونَ، لِأَنَّ مَرَدَّ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيءٍ مِنَ الظَّوَاهِرِ وَالبَوَاطِنِ، وَالَّذِي اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ لَا يُطْلِعَ أَحَدًا عَلَى غُيُوبِهِ، وَعَلَى مَا اسْتَتَرَ وَخَفِيَ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ.

وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾. اسْتِثْنَاءٌ مِنَ النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾.

أَيْ: هُوَ سُبْحَانَهُ عَالِمُ الغَيْبِ، فَلَا يُطْلِعُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ، إِلَّا الرَّسُولَ الَّذِي ارْتَضَاهُ وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ يُطْلِعُهُ عَلَى بَعْضِ غُيُوبِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لَهُ، دَالَّةً عَلَى صِدْقِهِ أَمَامَ قَوْمِهِ. كَذَا فِي تَفْسِيرِ الوَسِيطِ لِلطَّنْطَاوِيِّ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَنَصْرُ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ مُحَقَّقٌ، وَإِهْلَاكُهُ لِلْكَافِرِينَ مُحَقَّقٌ، وَلَكِنْ فِي الوَقْتِ الَّذِي يَشَاءُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾.

وَحَتَّى يَطْمَئِنَّ المُؤْمِنُ لِوَعْدِ اللهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُخْلَفُ لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَلِوَعِيدِهِ لِلْكَافِرِينَ الَّذِي لَا يُخْلَفُ، فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾. وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.

وَلَكِنْ صَدَقَ فِينَا قَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَكَأَنَّا نَسِينَا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾.

وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾.

يَا رَبِّ، احْفَظْ عَلَيْنَا دِينَنَا وَثَبِّتْنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ، وَعَجِّلْ لَنَا بِالفَرَجِ، وَلَا تُشَمِّتْ أَعْدَاءَنَا بِدَائِنَا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

151 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-05-14
 185
امْرَأَةٌ تُرَبِّي طُيُورًا فِي بَيْتِهَا، خَرَجَتْ يَوْمًا وَنَسِيَتْ وَضْعَ الطَّعَامِ لَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهَا؟
رقم الفتوى : 13636
 السؤال :
 2025-05-14
 455
مَا صِحَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ المَجْدُ اللُّغَوِيُّ: وَرُوِينَا عَنِ الأَصْمَعِيِّ قال: وَقَفَ أَعْرَابِيٌّ مُقَابِلَ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا حَبِيبُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَالشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ، فَإِنْ غَفَرْتَ لِي سُرَّ حَبِيبُكَ، وَفَازَ عَبْدُكَ، وَغَضِبَ عَدُوُّكَ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِي غَضِبَ حَبِيبُكَ، وَرَضِيَ عَدُوُّكَ، وَهَلَكَ عَبْدُكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُغْضِبَ حَبِيبَكَ، وَتُرْضِيَ عَدُوَّكَ وَتُهْلِكَ عَبْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ العَرَبَ الكِرَامَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ أَعْتَقُوا عَلَى قَبْرِهِ، وَإِنَّ هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ فَأَعْتِقْنِي عَلَى قَبْرِهِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَقُلْتُ: يَا أَخَا العَرَبِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَأَعْتَقَكَ بِحُسْنِ هَذَا السُّؤَالِ؟
رقم الفتوى : 13634
 السؤال :
 2025-05-14
 165
مَا نَصِيحَتُكُمْ لِإِنْسَانٍ يَشْعُرُ أَنَّهُ مَحْسُودٌ مِنْ أَقْرَانِهِ؟
رقم الفتوى : 13633
 السؤال :
 2025-05-14
 156
مَاذَا يَعْنِي كَلَامُ ابْنِ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَكَ، فَانْظُرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَقَامَكَ؟
رقم الفتوى : 13631
 السؤال :
 2025-04-28
 182
لَقَدْ أَتْعَبَنِي الانْشِغَالُ بِعُيُوبِ النَّاسِ، وَأَصْبَحَ لَدَيَّ نُفُورٌ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَّا القَلِيلَ، فَمَا نَصِيحَتُكُمْ لِي؟
رقم الفتوى : 13602
 السؤال :
 2025-04-23
 212
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا، أَوْ أَيَّ مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى نَفْسِهِ؟
رقم الفتوى : 13596

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5700
المقالات 3225
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 423853958
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :