الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: الإِجْهَاضُ إِنْ كَان عَمْدًا فَالمَرْأَةُ آثِمَةٌ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ فِي بِدَايَةِ الشَّهْرِ الرَّابِعِ مِنْ حَمْلِهَا، وَقَدْ نُقِلَ الإِجْمَاعُ عَلَى حُرمَةِ الإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ.
وَجَاءَ فِي البَحْرِ الرَّائِقِ: وَالسِّقْطُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُعْتَبَرُ وَلَدًا.
وَنَصَّ صَاحِبُ البِنَايَةِ: وَالجَنِينُ الَّذِي قَدِ اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ وُلِدَ حَقُّ أُمُومِيَّةِ الوَلَدِ وَانْقِضَاءِ العِدَّةِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَكَذَا فِي حَقِّ هَذَا الحُكْمِ، وَلِأَنَّ بِهَذَا القَدْرِ يَتَمَيَّزُ عَنِ العَلَقَةِ وَالدَّمِ، فَكَانَ نَفْسًا.
وَلَا شَكَّ بِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ مَصُونَةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَبِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الإِجْهَاضُ عَمْدًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
ثَانِيًا: ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الحَمْلَ الَّذِي تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ المَرْأَةِ بِوَضْعِهِ هُوَ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ، وَلَو كَانَ مَيْتًا.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا كَانَ الإِجْهَاضُ عَمْدًا، كَانَتِ المَرْأَةُ آثِمَةً، وَالقَابِلَةُ آثِمَةً، وَخَاصَّةً إِذَا ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ، وَإِلَّا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمَا. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: إِذَا كَانَ الحَمْلُ مُخَلَّقًا، وَفِيهِ عَلَامَةُ الإِنْسَانِ، وَأَجْهَضَتْهُ المَرْأَةُ انْتَهَتْ عِدَّتُهَا، وَالدَّمُ الَّذِي تَرَاهُ دَمُ نِفَاسٍ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلَّقًا، فَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَالدَّمُ يُعْتَبَرُ حَيْضًا. هذا، والله تعالى أعلم.