الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالعَمَلُ فِي مَصْنَعِ الخَمْرِ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمُنْكَرٌ عَظِيمٌ، وَاللهُ تَعَالَى نَهَانَا عَنِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
وَلَا شَكَّ أَنَّ تَصْنِيعَ الخَمْرِ مِنَ الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، وَسَبَبٌ لِصَبِّ اللَّعَنَاتِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
كَيْفَ يَجْتَرِئُ العَبْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾؟
كَيْفَ يَجْتَرِئُ العَبْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ؟
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ العَمَلُ فِي مَصْنَعِ الخَمْرِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الكَبَائِرِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّوْبَةِ قَبْلَ نِهَايَةِ الأَجَلِ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنِ اسْتِحْلَالِ هَذَا الأَمْرِ، لِأَنَّهُ مَنِ اسْتَحَلَّ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الخَمْرِ شُرْبًا وَعَصْرًا وَحَمْلًا مِنَ الأُمُورِ المُحَرَّمَةِ فِي الدِّينِ بِدُونِ نَكِيرٍ وَلَا خِلَافٍ. هذا، والله تعالى أعلم.