«وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ»

13727 - «وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ»

12-08-2025 372 مشاهدة
 السؤال :
مَا شَرْحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ»؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13727
 2025-08-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا يَحِلُّ لِي، وَيُحَرَّمُ عَلَيَّ.

قَالَ: فَصَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَصَوَّبَ فِيَّ النَّظَرَ، فَقَالَ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ».

هَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَرِيبَةٌ وَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ القَلْبُ، أَنَّ السَّلَامَةَ فِي تَرْكِهِ، وَلَوْ حَصَلَ إِفْتَاءُ المُفْتُونَ بِهِ.

وَالمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَيَخَافُ اللهَ تَعَالَى وَيَتَّقِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْدِمُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قَلْبُهُ.

وَقَدْ يَكُونُ الإِفْتَاءُ مِمَّنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مِمَّنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي المَسْأَلَةِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ دَلِيلٌ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَالمُتَعَيِّنُ المَصِيرُ إِلَيْهِ.

وَاسْتِفْتَاءُ القَلْبِ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الفُجُورِ وَالمَعَاصِي، فَإِنَّ مِنْ أُولَئِكَ مَنْ قَدْ يُجَاهِرُ بِالمَعَاصِي وَلَا يَسْتَحِي مِنَ اللهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ خَلْقِهِ، فَمِثْلُ أُولَئِكَ يَقَعُونَ فِي الحَرَامِ البَيِّنِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى المُشْتَبَهِ.

وَفِي الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِلْقُلُوبِ إِدْرَاكًا تَمِيلُ بِهِ إِلَى الخَيْرِ، وَتَنْفِرُ بِهِ عَنِ الشَّرِّ، وَهَذَا هُوَ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ، وَرُبَّمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا خَاصًّا بِبَعْضِ القُلُوبِ الَّتِي صُفِّيَتْ مِنَ الأَغْيَارِ، وَمُلِئَتْ بِمَعِينِ المَعَارِفِ الإِلَهِيَّةِ، وَالأَنْوَارِ مِنْ شَمْسِ الهِدَايَةِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى لِذَلِكَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالمَقْصُودُ ـ وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـ أَنَّ مَنْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ أَمْرُ الفُتْيَا فِي المَسَائِلِ الخِلَافِيَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَا تَسْكُنُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، وَيَطْمَئِنُّ بِهِ قَلْبُهُ، وَيَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرُهُ، فَلْيَأْخُذْ بِهِ، وَإِلَّا فَلْيَدَعْهُ، وَلْيَأْخُذْ بِمَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا رِيبَةَ، وَلْيَسْمَعْ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَهَذَا الْأَمْرُ مِثْلَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».

وَالخُلَاصَةُ: اسْتِفْتَاءُ الْقَلْبِ يَكُونُ فِي حَقِّ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَا زَالَ الوَازِعُ الإِيمَانِيُّ فِي قُلُوبِهِمْ قَوِيًّا، أَمَّا أَهْلُ الفُجُورِ وَالعِصْيَانِ، فَقُلُوبُهُمْ تُفْتِيهِمْ بِارْتِكَابِ المَعَاصِي، وَالأُمُورِ القَبِيحَةِ الوَاضِحَةِ الَّتِي لَا خَفَاءَ فِيهَا وَلَا لَبْسَ، فَضْلًا عَنِ الأُمُورِ المُشْتَبِهَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى اسْتِفْتَاءِ القَلْبِ. هذا، والله تعالى أعلم.

 

372 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالحديث الشريف

 السؤال :
 2025-05-14
 990
رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». فَمَا تَفْسِيرُ شَرْحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»؟
 السؤال :
 2025-02-27
 642
جَاءَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ». مَاذَا يُفِيدُ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ؟
 السؤال :
 2025-02-27
 962
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُومُوا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، إِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ». أَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الاسْتِغَاثَةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 696
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكِ» قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: «أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا». وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، وَلَا سَبَّابًا، كَانَ يَقُولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ؟
 السؤال :
 2025-02-22
 690
مَا شَرْحُ الحَدِيثِ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ»؟
 السؤال :
 2024-08-08
 1320
مَا مَعْنَى الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا»؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5706
المقالات 3245
المكتبة الصوتية 4881
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 426803275
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :