الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّهُ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى الإِنْسَانِ المُؤْمِنِ أَنْ يَرْضَى بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ قَضَاءَ اللهِ تعالى وَقَدَرَهُ بِالرِّضَا، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
وَمِنْ خِلَالِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» رواه الترمذي.
لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَنْ يُعْطَى الإِنْسَانُ مَا يُرِيدُ، وَيَكُونَ هَذَا سَبَبَاً في شَقَائِهِ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى، فَالخِيرَةُ فِيمَا يَخْتَارُهُ البَارِي جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَالمُؤْمِنُ هُوَ الذي يَرْضَى بِقَضَاءِ الله تعالى وَقَدَرِهِ.
وَاللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى ذَمَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ الذينَ لَا صِلَةَ لَهُمْ مَعَ اللهِ تعالى بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
فَاللهُ تعالى هُوَ الوَهَّابُ، وَهِبَتُهُ بِحِكْمَةٍ مِنْ خِلَالِ مَا يَعلَمُ مَا يُصْلِحُ العَبْدَ أَو يُفْسِدُهُ، أَلَيْسَ هُوَ القَائِلُ: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثَاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾؟
لِذَلِكَ فَالرِّضَا عُنْوَانُ كَمَالِ الإِيمَانِ، وَلَا حَرَجَ بِأَنْ يَرْغَبَ المَرْءُ في الوَلَدِ ذَكَرَاً كَانَ أَو أُنْثَى، وَلَكِنْ في نِهَايَةِ المَطَافِ يَتْرُكُ العَبْدُ مُرَادَهُ لِمُرَادِ اللهِ تعالى، لِأَنَّهُ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. هذا أولاً.
ثانياً: لَا بَأْسَ بِالتَّحَكُّمِ في جِنْسِ المَوْلُودِ عَنْ طَرِيقِ النِّظَامِ الغِذَائِيِّ، وَتَوْقِيتِ الجِمَاعِ بِتَحَرِّي وَقْتِ الإِبَاضَةِ، أَو الغُسُولِ الكِيمْيَائِيِّ.
ثالثاً: لَا يَجُوزُ كَشْفُ العَوْرَةِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الغَرَضِ، كَمَا لَا يَجُوزُ التَّدَخُّلُ الطِّبِّيُّ لِهَذَا الغَرَضِ، وَلَكِنْ مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الإِنْجَابُ بِالطَّرِيقِ الطَّبِيعِيِّ، وَقَامَ بِإِجْرَاءِ عَمَلِيَّةِ طِفْلِ الأُنْبُوبِ، وَمِنْ خِلَالِ ذَلِكَ اسْتَطَاعَ التَّحَكُّمَ بِجِنْسِ المَوْلُودِ تَبَعَاً لِذَلِكَ، فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى؛ وَإِلَّا حَرُمَ هَذَا الفِعْلُ. وَنَسْأَلُ اللهَ تعالى الرِّضَا بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |