الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى المُحَرَّمَاتِ في سُورَةِ النِّسَاءِ ـ وَعَدَّ مِنْهُنَّ ـ: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾.
وروى الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا، فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا، فَلْيَنْكِحْ ابْنَتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا».
وَنَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ فُرُوعِ الزَّوْجَةِ، وَهُنَّ بَنَاتُهَا، وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا، وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ نَزَلْنَ، لِأَنَّهُنَّ مِنْ بَنَاتِهَا، بِشَرْطِ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ.
وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ فُرُوعُهَا بِمُجَرَّدِ العَقْدِ، فَلَو طَلَّقَهَا، أَو مَاتَتْ عَنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الفُقَهَاءِ: الدُّخُولُ بِالأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ البَنَاتِ، وَالعَقْدُ عَلَى البَنَاتِ يُحَرِّمُ الأُمَّهَاتِ.
وَالمَقْصُودُ بِالدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ الوَطْءُ؛ وَقَالَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةِ: الخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ.
وَالرَّبَائِبُ جَمْعُ رَبِيبَةٍ، وَالرَّبِيبَةُ ابْنَةُ الزَّوْجَةِ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا إِذَا دَخَلَ بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ في الحِجْرِ أَمْ لَمْ تَكُنْ، وَوَضْعُهَا في الحِجْرِ لَيْسَ للتَّقْيِيدِ، بَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الغَالِبِ، لِأَنَّهَا غَالِبًا تَتَربَّى في حِجْرِهِ، كَابْنِهِ وَابْنَتِهِ، فَلَهَا مَا لِبِنْتِهِ مِنْ تَحْرِيمٍ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا خَلَا الزَّوْجُ بِزَوْجَتِهِ بِدُونِ وَطْءٍ فَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، خِلَافًا للحَنَفِيَّةِ الذينَ اعْتَبَرُوا الخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا عِنْدَهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.