الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ يَثْبُتُ نَسَبُ ابْنِ الزِّنَا مِنْ أُمِّهِ التي وَلَدَتْهُ.
ثانياً: وَأَمَّا نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ، فَلَا يَثْبُتُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» رواه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» يَعْنِي: كُلُّ مَوْلُودٍ تَلِدُهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ في فَتْرَةِ الإِمْكَانِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ اجْتِمَاعِهِمَا، فَهُوَ للفِرَاشِ، يَعْنِي لِصَاحِبِ الفِرَاشِ وَهُوَ الزَّوْجُ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِلَّا في حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ نَفْيُ الزَّوْجِ للوَلَدِ باللِّعَانِ، أَو أَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ العَقْدِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» يَعْنِي: للزَّانِي المُحْصَنِ الرَّجْمُ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ نَسَبُ الوَلَدِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ.
ثالثاً: وَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى وَلَدِ الزِّنَا أُصُولُ الزَّانِي وَفُرُوعُهُ.
رابعاً: إِذَا وَلَدَتِ المَرْأَةُ مِنَ الزِّنَا، فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّاً، صَارَ الرَّضِيعُ ابْنَاً لَهَا بِاتِّفَاقِ الفُقَهَاءِ، وَابْنُهَا مِنَ الزِّنَا أَخٌ لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ثُبُوتِ نَسَبِ الوَلَدِ الرَّضِيعِ مِنَ الرَّجُلِ الزَّانِي الذي زَنَا بِتِلْكَ المَرْأَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: صَارَ أَبَاً لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يُعْتَبَرُ الزَّانِي أَبَاً لَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ.
وبناء على ذلك:
فَإِنَّ ابْنَ الزِّنَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ أُمِّهِ الزَّانِيَةِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الرَّجُلِ الزَّانِي عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، وَوَلَدُ الزِّنَا يَرِثُ مِنْ أُمِّهِ وَتَرِثُ مِنْهُ، وَلَا يَرِثُ مِنَ الزَّانِي، وَلَا الزَّانِي يَرِثُ مِنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.