الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ هَذَا الشَّابُّ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَفِيهِ جُرْأَةٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحْضِرًا المَوْتَ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لَمَا فَعَلَ هَذَا، وَلَوْ تَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ لَمَا فَعَلَ الذي فَعَلَ، وَلَو تَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ لَمَا فَعَلَ الذي فَعَلَ، وَلَو تَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. وَقَوْلَهُ تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾. لَذَابَ حَيَاءً مِنَ اللهِ تعالى، وَلَكِنَّ الغَفْلَةَ إِذَا سَيْطَرَتْ عَلَى القَلْبِ أَفْسَدَتْهُ، وَلَعِبَ الشَّيْطَانُ بِالغَافِلِ كَمَا يَلْعَبُ الأَطْفَالُ بِالكُرَةِ.
هَذَا الشَّابُّ اجْتَرَأَ عَلَى حُدُودِ اللهِ تعالى، فَبَدَأَ بِالنَّظَرِ إلى غَيْرِ مَحَارِمِهِ أَوَّلًا وَهُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى الكَلَامِ مَعَهُنَّ وَهُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلى الخَلْوَةِ بِهِنَّ وَهِيَ حَرَامٌ، حَتَّى اجْتَرَأَ عَلَى المُصَافَحَةِ وَالمَسِّ وَفَعَلَ كُلَّ مُحَرَّمٍ، فَعَيْنُهُ زَنَتْ، وَيَدُهُ زَنَتْ، وَرِجْلُهُ زَنَتْ، وَلَعِبَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مِصْدَاقُ حَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلَا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ» رواه الطبراني في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَنَسِيَ هَذَا الشَّابُّ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾. وَنَسِيَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً.
وَإِنِّي أَسْأَلُ هَذَا الشَّابَّ، هَلْ يَرْضَى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ بِبَعْضِ مَحَارِمِهِ مَا فَعَلَهُ هُوَ بِأَعْرَاضِ النَّاسِ؟ أَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿جَزَاءً وِفَاقًا﴾.
أَيْنَ هُوَ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
عِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ في المَحْرَمِ *** وَتَـجَـنَّـبُوا مَـا لَا يَـلِيقُ بِمُسْلِمِ
إِنَّ الـزِّنَى دَيْـنٌ فَـإِنْ أَقْـرَضْتَهُ *** كَانَ الوَفَا مِنْ أَهْلِ بَـيْتِكَ فَاعْلَمِ
يَا هَاتِكًا حُرَمَ الرِّجَالِ وَقَاطِعًا *** سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَـيْـرَ مُـكَرَّمِ
لَوْ كُنْتَ حُرًّا مِنْ سُلَالَةِ مَاجِدٍ *** مَا كُنْتَ هَــتَّاكًا لِحُرْمَةِ مُـسْـلِـمِ
مَنْ يَـزْنِ يُـزْنَ بِـهِ وَلَوْ بِجِدَارِهِ *** إِنْ كُنْتَ يَـا هَـذَا لَـبِـيــبًا فَافْهَمِ
أَخِيرًا: أَدْعُو هَذَا الشَّابَّ إلى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ في سِيَاقِ المَوْتِ ثُمَّ يَنْدَمَ وَلَا يَنْفَعَهُ النَّدَمُ، وَرُبَّمَا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجْعَةَ لَا قَدَّرَ اللهُ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقُولُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.
أَدْعُوهُ إلى الزَّوَاجِ وَأَنْ يَعِفَّ نَفْسَهُ عَنِ الحَرَامِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الزَّوَاجُ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
وَأَدْعُوهُ إلى تَرْكِ قُرَنَاءِ السُّوءِ، لِأَنَّ الرَّجُلَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَيَحْضُرَ مَعَ الصَّالِحِينَ، مَعَ غَضِّ البَصَرِ وَكَثْرَةِ الدُّعَاءِ أَنْ يُحْسِنَ اللهُ خِتَامَنَا جَمِيعًا، وَأَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ كُلِّ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
عَفَا اللهُ عَنَّا وَعَنْهُ وَرَدَّنَا إِلَيْهِ رَدًّا جَمِيلًا. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |