خبيئة من عمل صالح

12472 - خبيئة من عمل صالح

25-03-2023 1371 مشاهدة
 السؤال :
مَا صِحَّةُ هَذَا القَوْلِ: أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 12472
 2023-03-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ جَاءَ في كِتَابِ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ لَابْنِ المُبَارَكِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّكُمُ اسْتَطَاعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ.

وَفي رِوَايَةٍ في مُعْجَمِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فَلْيَفْعَلْ.

وَقَدْ كَانَ صَالِحُو هَذِهِ الأُمَّةِ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يَكُونَ للرَّجُلِ خَبِيئَةٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ، مِنْ صَدَقَةٍ في السِّرِّ، أَو نَصِيحَةٍ لِمُقَصِّرٍ، أَو كَفَالَةِ يَتِيمٍ، أَو خَتْمِ قُرْآنٍ، أَو أَيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ.

رَوَى ابْنُ القَيِّم فِي كِتَابِ رَوضَةِ المُحِبِّينَ وَنُزْهَةِ المُشْتَاقِينَ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يَتَفَقَّدُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بَعَدَ صَلَاةِ الفَجْرِ، فَكَانَ يَرَاهُ إِذَا صَلَّى الفَجْرَ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ إِلى ضَاحِيَةٍ مِنْ ضَوَاحِي المَدِينَةِ كُلَّ يَوْمٍ، فَيَتَسَاءَلُ مَالَهُ يَخْرُجُ؟

ثُمَّ تَبِعَهُ مَرَّةً مِنَ المَرَّاتِ، فَأَتَى فَإِذْ هُوَ قَدْ دَخَلَ خَيْمَةً مُنْزَوِيَةً، فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَخَلَ بَعدَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَإِذَا فِي الخَيْمَةِ عَجُوزٌ حَسِيرَةٌ كَسِيرَةٌ عَمْيَاءُ مَعَهَا طِفلَانِ لَهَا، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا أَمَةَ اللهِ، مَنْ أَنْتِ؟

قَالَتْ: أَنَا عَجُوزٌ كَسِيرَةٌ عَمْيَاءُ فِي هَذِهِ الخَيْمَةِ، مَاتَ أَبُونَا وَمَعِيَ بَنَاتٌ لَا عَائِلَ لَنَا إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ.

قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَمَن هَذَا الشَّيخُ الذِي يَأْتِيَنَّكُمْ؟ ـ وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْهُ ـ

قَالَتْ: هَذَا شَيخٌ لَا أَعْرِفُهُ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ فَيَكْنِسُ بَيْتَنَا وَيَصْنَعُ لَنَا فُطُورَنَا وَيَحْلِبُ لَنَا شِيَاهَنَا.

فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالَ: أَتعَبْتَ الخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذَا القَوْلُ يُنْسَبُ لِسَيِّدِنَا الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ.

قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا.

فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: الإِبِلُ، ـ أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ ـ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ.

فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.

وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ.

قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا.

قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا.

وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ: يَرُدُّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ.

قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ.

قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟

قَالَ الغَنَمُ: فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ.

ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي.

فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ.

فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟

فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ.

فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا.

فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ.

وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي.

فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لَا أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ للهِ.

فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ». هذا، والله تعالى أعلم.

 

1371 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2024-08-17
 216
نَصَحَنِي أَحَدُ الإِخْوَةِ عِنْدَمَا عَلِمَ أَنَّنِي أُصَلِّي عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَمِئَةِ مَرَّةً، فَقَالَ لِي: هَذِهِ بِدْعَةٌ في دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعِنْدَهَا تَوَقَّفْتُ عَنْ هَذَا العَدَدِ، فَهَلْ كَلَامُهُ صَحِيحٌ؟
رقم الفتوى : 13258
 السؤال :
 2023-12-29
 2660
اتَّصَلَتِ امْرَأَةٌ بِمُدِيرِهَا تُبَارِكُ لَهُ بِمَوْلُودٍ جَاءَهُ، فَرَدَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُحِبُّهَا مُنْذُ أَنْ عَرَفَهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا أَنْ يَزُورَهَا في زِيَارَةً خَاصَّةً، فَمَاذَا تَفْعَلُ، وَهِيَ امْرَأَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ وَمُحَافِظَةٌ؟
رقم الفتوى : 12878
 السؤال :
 2023-12-29
 84
لَقَدْ دَعَانَا الإِسْلَامُ إلى العَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ المُسِيءِ، أَلَا تَرَى في ذَلِكَ ضَيَاعًا لِكَرَامَةِ الإِنْسَانِ؟
رقم الفتوى : 12876
 السؤال :
 2023-12-11
 1166
أَنَا طَالِبُ عِلْمٍ، وَأَدْرُسُ الشَّرِيعَةَ، وَلَكِنَّ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ وَالأَقَارِبِ نَظْرَةٌ دُونِيَّةٌ، وَيَقُولُونَ: إِنَّنِي إِنْسَانٌ مُتَخَلِّفٌ، وَيُسْمِعُونِي كَلَامًا جَارِحًا، وَوَالِدِي مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَرَى الأَخْطَاءَ، فَأَقُولُ لَهُ: قَدِّمِ النُّصْحَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: لَا شَأْنَ لَنَا مَعَ أَحَدٍ، فَبِمَ تَنْصَحُنِي؟
رقم الفتوى : 12849
 السؤال :
 2023-07-13
 3765
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ مُعَلِمَ الصِّبْيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؟
رقم الفتوى : 12644
 السؤال :
 2023-07-13
 1689
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ المَحْرُومَ مِنَ الوَلَدِ إِذَا لَازَمَ الاسْتِغْفَارَ يُكْرِمُهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ بِذُرِّيَّةٍ صَالِحَةٍ؟
رقم الفتوى : 12642

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5630
المقالات 3193
المكتبة الصوتية 4861
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 417879325
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :