الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَبَاحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ للرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ إِنْ وَجَدَ في نَفْسِهِ قُدْرَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ النَّفَقَةُ وَالعَدْلُ، قَالَ تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾.
فَالتَّعَدُّدُ مُبَاحٌ، وَالعَدْلُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ، وَمَنْ جَارَ وَلَمْ يَعْدِلْ جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَائِلًا شِقُّهُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ».
وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾. فَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ للعَدْلِ بِكُلِّ جَوَانِبِهِ، بَلْ غَايَتُهُ بَيَانُ عَجْزِ الإِنْسَانِ وَضَعْفِهِ عَنِ العَدْلِ الكَامِلِ الذي يَشْمَلُ الظَّاهِرَ وَالبَاطِنَ في العَدْلِ.
فَيُمْكِنُ للرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ في الظَّاهِرِ مِنْ حَيْثُ المَبِيتُ وَالنَّفَقَةُ، فَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ المَنْفِيَّ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ، فَمَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ العَدْلِ في مِثْلِ هَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ، أَمَّا مَيْلُ القَلْبِ فَهُوَ الذي لَا يَمْلِكُهُ العَبْدُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَالعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ظَاهِرًا فَرْضٌ وَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ، وَأَمَّا العَدْلُ في البَاطِنِ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِب إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، رَوَى الحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ».
قَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي: يَعْنِي الْقَلْبَ؛ وَهَذَا فِي الْعَدْلِ بَيْنَ نِسَائِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |