الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِنِ امْرَأَةٍ تُدَمِّرُ أُسْرَتَهَا بِسَبَبِ زَوَاجِ زَوْجِهَا بِثَانِيَةٍ، وَتَجْعَلُ حَيَاتَهَا وَحَيَاةَ زَوْجِهَا وَأَوْلَادِهَا شَقَاءً، تُدَمِّرُ بَيْتًا بَنَتْهُ بِعَرَقِ جَبِينِهَا وَجُهْدِهَا بِسَنَوَاتٍ، وَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ ذَلِيلَةً في بَيْتِ أَهْلِهَا، وَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ خَادِمَةً عِنْدَ زَوْجَاتِ إِخْوَتِهَا، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَلِكَةً في بَيْتِهَا.
وَالأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تَتَأَثَّرُ هَذَا التَّأَثُّرَ إِذَا وَقَعَ زَوْجُهَا في الفَاحِشَةِ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ وَفي أَحْسَنِ أَحْوَالِهَا أَنَّهَا تُنْكِرُ هَذَا المُنْكَرَ، أَمَّا إِذَا فَعَلَ زَوْجُهَا مُبَاحًا قَامَتِ الدُّنْيَا وَمَا قَعَدَتْ. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَصْبِرَ وَتَحْتَسِبَ أَجْرَ صَبْرِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ تُحْسِنَ عِشْرَةَ زَوْجِهَا، وَتُؤَدِّيَ لَهُ حُقُوقَهُ كَامِلَةً، وَأَنْ لَا تَرْضَى بِتَدْمِيرِ بَيْتِهَا، وَلَا تَرْضَى أَنْ تَمُوتَ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، لِأَنَّ زَوْجَهَا أَخَذَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ مِنْ حَيْثُ العَدْلُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، فَلَا يَبْنِيَ بَيْتًا ثَانِيًا عَلَى أَنْقَاضِ بَيْتِهِ الأَوَّلِ، وَلَا يُضَيِّعَ جُهُودًا بَذَلَهَا، وَأَمْوَالًا أَنْفَقَهَا، وَأَوْقَاتًا صَرَفَهَا في بِنَاءِ البَيْتِ الأَوَّلِ مِنْ أَجْلِ الزَّوَاجِ ثَانِيَةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَاسَّةٍ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ زَوْجَتَهُ الأُولَى سَتَكُونُ سَبَبًا في تَدْمِيرِ البَيْتِ الأَوَّلِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ يَعْلَمُ مِنْ حَالِ زَوْجَتِهِ الأُولَى أَنَّ أَفْعَالَهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَأَنَّهَا سَتَبْقَى زَوْجَتَهُ الوَفِيَّةَ لَهُ وَلِأَوْلَادِهِ، وَكَانَ الزَّوْجُ مُضْطَرًّا للزَّوَاجِ ثَانِيَةً، فَلْيَتَزَوَّجْ وَلْيُحْسِنْ إِلَيْهَا، وَلْيُعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِلَّا فَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَدْمِ مِصْرٍ لِبِنَاءٍ قَصْرٍ. هذا، والله تعالى أعلم.