الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
وَرَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ». (فَنِعْمَ الُمرضِعَةُ): يَعْنِي: نِعْمَ الوِلَايَةُ، فَإِنَّهَا تُدِرُّ عَلَيْهِ الَمنَافِعَ وَاللَّذَاتِ العَاجِلَةَ، (وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ): عِنْدَ انْفِصَالِهِ عَنْهَا بِمَوتٍ أَو غَيْرِهِ، فَإِنَّهَا تَقْطَعُ عَنْهُ تِلْكَ اللَّذَائِذَ وَالمَنَافِعَ وَتُبْقِي عَلَيْهِ الحَسْرَةَ وَالتَّبِعَةَ.
وَرَوَى الشَّيْخَانِ ـ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ ـ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ».
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ الإِمَارَةَ، أَو أَنْ يَكُونَ حَرِيصًا عَلَيْهَا، وَمَنْ سَأَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْطَاهَا، لِأَنَّهُ يَرَاهَا مَغْنَمًا، وَلَا يَرَاهَا مَغْرَمًا، وَخَاصَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَادِرًا، وَأَهْلًا للإِمَارَةِ، وَكَانَ أَمِينًا، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَهَا، حَتَّى يُنْصِفَ الآخَرِينَ.
وَسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَلَبَهَا لَمَّا رَأَى الفَسَادَ المُسْتَشْرِيَ في مِصْرَ، قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾. فَهُوَ يَعْلَمُ قَصْدَهُ مِنَ الإِمَارَةِ، المَغْنَمَ أَمْ خِدْمَةَ أَصْحَابِ الحَاجَةِ؟ وَهَلْ هُوَ لَا يَخْشَى في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ؟
وَرَحِمَ اللهُ تعالى مَنْ قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ لَا تُعْزَلَ، فَلَا تَتَوَلَّ وِلَايَةً لَا تَدُومُ لَكَ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |