الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ الظَّاهِرَتَيْنِ السَّلِيمَتَيْنِ، غَيْرِ المَسْتُورَتَيْنِ بِخُفٍّ أَوْ جُبَيْرَةٍ، رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الوُضُوءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾.
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُسْتَفِيضَةٌ فِي صِفَةِ وُضُوءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ الشَّرِيفَتَيْنِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِهِمَا؛ وَلِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ عُضْوَانِ مَحْدُودَانِ، فَكَانَ وَاجِبُهُمَا الْغَسْلُ كَالْيَدَيْنِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَخْلِيلِ الأَصَابِعِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّكُ بِخِنْصَرِهِ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ، فَإِنَّ الْمَمْسُوحَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الاسْتِيعَابِ وَالدَّلْكِ، وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ، لَا يَجْحَدُهُ مُسْلِمٌ، فَكَانَ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ بَيَانَ الْمُرَادِ بِالآيَةِ. كَذَا فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكَعْبَيْنِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الوُضُوءِ، وَهَذَا بِالإِجْمَاعِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفَرْضُهَا عَنْ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ الْغَسْلِ دُونَ الْمَسْحِ.
وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ. كَذَا فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ. هذا، والله تعالى أعلم.