الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِهَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِنْ خِيفَ ضَرَرٌ بِسَبَبِ نَزْعِهَا مِنَ الرَّأْسِ وَلَمْ يُمْكِنْ حَلُّهَا، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ مُبَاشَرَةً مَسَحَهُ وَكَمَّل عَلَى عِمَامَتِهِ وُجُوبًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَإِنْ لَبِسَهَا عَلَى حَدَثٍ سَوَاءٌ عَسِرَ عَلَيْهِ تَنْحِيَتُهَا أَمْ لَا، وَلَا يَكْفِي الاقْتِصَارُ عَلَى الْعِمَامَةِ بَلْ يَمْسَحُ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَالأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنَ النَّاصِيَةِ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَجُمْهُورُ الفُقَهَاءِ لَا يُجِيزُونَ المَسْحَ عَلَى العِمَامَةِ.
يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي المَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثُمَّ يَقُولُ: وَمَنَعَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، كَمَا جَاءَ فِي بِدَايَةِ المُجْتَهِدِ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَأَمَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ فَلَا يُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. كَذَا فِي المَجْمُوعِ.
فَالخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ أَوْلَى، وَعَلَى المُتَوَضِّئِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى رَأْسِهِ لَا عَلَى العِمَامَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ﴾. وَلِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ المَشَقَّةُ فِي نَزْعِهَا. هذا، والله تعالى أعلم.