الحذر من قرناء السوء

13517 - الحذر من قرناء السوء

12-03-2025 171 مشاهدة
 السؤال :
مَا السَّبِيلُ لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَخَاصَّةً لِإِنْسَانٍ لَهُ قُرَنَاءُ سُوءٍ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13517
 2025-03-12

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَمَنْ أَرَادَ الاسْتِقَامَةَ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.

وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: فِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ، وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ، أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ. اهـ.

وَيَقُولُ شَقِيقٌ البَلْخِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: عَلَامَةُ التَّوبَةِ البُكَاءُ عَلَى مَا سَلَفَ، وَالخَوْفُ مِنَ الوُقُوْعِ فِي الذَّنْبِ، وَهِجْرَانُ إِخْوَانِ السُّوْءِ، وَمُلَازَمَةُ الأَخْيَارِ. اهـ. كَذَا فِي سِيَرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ.

فَحَقُّ الإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّى غَايَةَ جُهْدِهِ مُصَاحَبَةَ الأَخْيَارِ وَمُجَالَسَتَهُمْ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ مُجَالَسَةَ الأَشْرَارِ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ، وَالطَّبْعُ يَسْرِقُ مِنَ الطَّبْعِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَصُحْبَةُ الأَخْيَارِ تُورِثُ الخَيْرَ، وَصُحْبَةُ الأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَمَنْ أَرَادَ الاسْتِقَامَةَ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى، فَعَلَيْهِ تَرْكُ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَمُصَاحَبَةُ الأَخْيَارِ؛ يَقُولُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: جَالِسُوا التَّوَّابِينَ، فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ شَيْءٍ أَفْئِدَةً. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.

وَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: لَوْ أَنَّ رَجُلًا انْقَطَعَ إِلَى هَؤُلَاءِ المُلُوكِ فِي الدُّنْيَا لَانْتَفَعَ فَكَيْفَ بِمَنْ يَنْقَطِعُ إِلَى مَنْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى؟ كَذَا فِي صِفَةِ الصَّفْوَةِ.

وَيَقُولُ أَيْضًا: قَلْبُ التَّائِبِ بِمَنْزِلَةِ الزُّجَاجَةِ، يُؤَثِّرُ فِيهَا جَمِيعُ مَا أَصَابَهَا، وَالْمَوْعِظَةُ إِلَى قُلُوبِهِمْ سَرِيعَةٌ، وَهُمْ إِلَى الرِّقَّةِ أَقْرَبُ، فَدَاوُوهَا مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ، فَلَرُبَّ تَائِبٍ دَعَتْهُ تَوْبَتُهُ إِلَى الْجَنَّةِ حَتَّى أَوْفَدَتْهُ عَلَيْهَا، وَجَالِسُوا التَّوَّابِينَ؛ فَإِنَّ رَحْمَةَ اللهِ إِلَى التَّوَّابِينَ أَقْرَبُ. كَذَا فِي حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ.

وَعَلَى مُرِيدِ الاسْتِقَامَةِ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الوُقُوفِ عَلَى بَابِ اللهِ تَعَالَى، وَخَاصَّةً فِي الأَسْحَارِ، وَيَتَمَثَّلَ قَوْلَ القَائِلِ:

أَسِـيرُ الْخَطَايَــا عِـنْدَ بَـابِـك وَاقِـفُ   ***   عَــلَى وَجَلٍ مِمَّا بِهِ أَنْـتَ عَــــارِفُ

يَـخَافُ ذُنُوبًا لَمْ يَـغِبْ عَـنْكَ غَـيْـبُهَا   ***   وَيَرْجُوكَ فِيهَا فَـهْوَ رَاجٍ وَخَائِــفُ

فَمَنْ ذَا الَّذِي يُرْجَى سِوَاكَ وَيُـتَّقَــى   ***   وَمَا لَكَ فِي فَـصْلِ الْقَضَاءِ مُخَالِــفُ

فَـيَا سَيِّدِي لَا تُخْزِنِي فِي صَـحِيفَـتِــي   ***   إذَا نُشِرَتْ يَوْمَ الْحِسَابِ الصَّحَائِفُ

وَكُنْ مُؤْنِسِي فِي ظُلْمَةِ الْقَبْرِ عِـنْدَمَــا   ***   يَـصُدُّ ذَوُو الْقُرْبَى وَيَجْفُو الْمُوَالِــفُ

لَئِنْ ضَاقَ عَنِّي عَفْوُكَ الْـوَاسِعُ الَّذِي   ***   أُرَجِّي لِإِسْرَافِي فَـــإِنِّي لَـــتَالِـــفُ

يَا رَبِّ، اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الاسْتِقَامَةِ، وَدُلَّنَا عَلَى العَارِفِينَ مِنْ عِبَادِكَ، وَأَكْرِمْنَا بِصُحْبَتِهِمْ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

171 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-05-14
 390
امْرَأَةٌ تُرَبِّي طُيُورًا فِي بَيْتِهَا، خَرَجَتْ يَوْمًا وَنَسِيَتْ وَضْعَ الطَّعَامِ لَهُمْ حَتَّى مَاتُوا، فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهَا؟
رقم الفتوى : 13636
 السؤال :
 2025-05-14
 642
مَا صِحَّةُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ المَجْدُ اللُّغَوِيُّ: وَرُوِينَا عَنِ الأَصْمَعِيِّ قال: وَقَفَ أَعْرَابِيٌّ مُقَابِلَ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا حَبِيبُكَ، وَأَنَا عَبْدُكَ، وَالشَّيْطَانُ عَدُوُّكَ، فَإِنْ غَفَرْتَ لِي سُرَّ حَبِيبُكَ، وَفَازَ عَبْدُكَ، وَغَضِبَ عَدُوُّكَ، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لِي غَضِبَ حَبِيبُكَ، وَرَضِيَ عَدُوُّكَ، وَهَلَكَ عَبْدُكَ وَأَنْتَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ تُغْضِبَ حَبِيبَكَ، وَتُرْضِيَ عَدُوَّكَ وَتُهْلِكَ عَبْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ العَرَبَ الكِرَامَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ أَعْتَقُوا عَلَى قَبْرِهِ، وَإِنَّ هَذَا سَيِّدُ العَالَمِينَ فَأَعْتِقْنِي عَلَى قَبْرِهِ. قَالَ الأَصْمَعِيُّ: فَقُلْتُ: يَا أَخَا العَرَبِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَأَعْتَقَكَ بِحُسْنِ هَذَا السُّؤَالِ؟
رقم الفتوى : 13634
 السؤال :
 2025-05-14
 270
مَا نَصِيحَتُكُمْ لِإِنْسَانٍ يَشْعُرُ أَنَّهُ مَحْسُودٌ مِنْ أَقْرَانِهِ؟
رقم الفتوى : 13633
 السؤال :
 2025-05-14
 283
مَاذَا يَعْنِي كَلَامُ ابْنِ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ مَقَامَكَ، فَانْظُرْ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَقَامَكَ؟
رقم الفتوى : 13631
 السؤال :
 2025-04-28
 273
لَقَدْ أَتْعَبَنِي الانْشِغَالُ بِعُيُوبِ النَّاسِ، وَأَصْبَحَ لَدَيَّ نُفُورٌ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلَّا القَلِيلَ، فَمَا نَصِيحَتُكُمْ لِي؟
رقم الفتوى : 13602
 السؤال :
 2025-04-23
 329
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ بَيْتًا، أَوْ أَيَّ مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى نَفْسِهِ؟
رقم الفتوى : 13596

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5701
المقالات 3236
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 424890687
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :