الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذهب جمهور الفقهاء من السادة الشافعية والحنفية والحنابلة بما فيهم السادة المالكية إلى أن عورة المرأة بالنسبة للمرأة المسلمة هي كعورة الرجل إلى الرجل، أي ما بين سرتها وركبتها، ولذا يجوز للمرأة المسلمة أن تنظر إلى جميع بدن المرأة المسلمة عدا ما بين السرة والركبة، بشرط عدم الشهوة وخوف الفتنة، أما إذا كان النظر بشهوة، أو كانت تُخشى الفتنة فيحرم عليها النظر.
أما النظر إلى ما بين السرة والركبة فيحرم ولو كان بغير شهوة، وهذا ما أكَّده الفقهاء، لأن هذا المكان عورة، والعورة لا يجوز النظر إليها إلا للضرورة.
وقد ذكر الفقهاء أن العورة تقسم إلى قسمين: عورة مغلَّظة، وعورة مخففة، فالمغلَّظة هي السَّوْءَتان، وما عداهما من السرة إلى الركبة مخفَّفة، ولا خلاف بأن الفخذ من العورة، وكذلك لا خلاف بأنه لا يجوز النظر إلى العورة المغلَّظة أو المخفَّفة بدون ضرورة.
وإن كتب السادة المالكية رضي الله عن الجميع طافحة بذلك، من جملة ذلك كتاب التاج والإكليل لمختصر خليل جاء فيه: (وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرَى مِنْ الْمَرْأَةِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافَ هَذَا).
وجاء في كتاب مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: (فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَحُكْمِ الرِّجْلِ مَعَ الرَّجُلِ، أَنَّ الْفَخْذَ كُلَّهُ عَوْرَةٌ). ثم قال: (وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَنَصُّهُ فِي فَصْلِ لِبَاسِ الصَّلاةِ: وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَحُكْمِ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ، وَحُكْمُهُمَا أَنَّ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ لا يَكْشِفُهُ أَحَدُهُمَا لِلآخِرِ، بِخِلافِ سَائِرِ الْبَدَنِ).
وجاء في كتاب الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: (وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ، وَعَوْرَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ أُنْثَى غَيْرِ كَافِرَةٍ أَوْ كَافِرَةٍ وَهِيَ أَمَتُهَا، وَعَوْرَةُ الأَمَةِ مَعَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ).
ومثل هذا في حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير، وغيرهما، هذا فضلاً عن كتب السادة الحنفية والشافعية والحنابلة.
وبناء على ذلك:
فلا يجوز للمرأة أن تكشف عن فخذيها أمام النساء المسلمات ولو كنَّ قريبات لها، هذا فضلاً عن سائر النساء، أما أمام المرأة الكافرة فمن باب أولى، لأن المرأة الكافرة حكمها كحكم الرجل بالنسبة للمرأة المسلمة.
وأخيراً أقول: سامح الله عز وجل فضيلة الشيخ المفتي الذي أصدر هذه الفتوى، وخاصة إذا كان يعلم أنه يعتمد في ذلك على أقوال شاذة مخالفة لجمهور الفقهاء، فما هو قائل لله عز وجل عن هذه الفتوى، وخاصة في زمن كثر فيه انتشار الرذيلة، وانتشر فيه زنا المحارم، فضلاً عن السحاق بين النساء؟
أما يعلم فضيلة الشيخ بأن المرأة عندما تأخذ مثل هذه الفتوى فإن الأمر يسهل عليها في كشف فخذها أمام محارمها من الرجال كذلك؟
وإذا قال فضيلة الشيخ بأن فخذ المرأة ليس بعورة، ويجوز كشفه أمام النساء، أما علم بأن المرأة تعتبر جميع فخذها ليس بعورة، فلم يبقى من عورتها في ظنها إلا السَّوْءَتان؟
وهل بهذه الفتوى يشجع على الفضيلة والعفاف أم على العكس من ذلك تماماً؟
أسأل الله تعالى أن يلهم هذا الشيخ التوبة الصادقة، وأن يتراجع عن فتواه قبل أن تدركه المنية، ونسأل الله تعالى أن يهدينا لما اختُلِف فيه من الحق فإنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |