الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَلَا خِلَافَ في أَنَّ الثَّوَابَ يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ مِنْ كَسْبِ الإِنْسَانِ، يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾.
وَأَمَّا ثَوَابُ مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنَّهُ وَاصِلٌ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
كَأَنْ يَجْعَلَ المُسْلِمُ ثَوَابَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ﴾.
وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ، فَذَبَحَ أَحَدَهُمَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَالآخَرَ عَنْ أُمَّتِهِ.
وَأَخْرَجَ أبو داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ أَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ مِائَةُ رَقَبَةٍ، فَأَعْتَقَ ابْنُهُ هِشَامٌ خَمْسِينَ رَقَبَةً، فَأَرَادَ ابْنُهُ عَمْرٌو أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ الْخَمْسِينَ الْبَاقِيَةَ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِعَتْقِ مِائَةِ رَقَبَةٍ، وَإِنَّ هِشَامَاً أَعْتَقَ عَنْهُ خَمْسِينَ، وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ رَقَبَةً، أَفَأُعْتِقُ عَنْهُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمَاً فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ».
لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يَدْخُلُ في بَابِ الدُّعَاءِ، لِأَنَّ الفَاعِلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَو الصِّيَامَ أَو الصَّدَقَةَ في صَحِيفَةِ فُلَانٍ، فَهَذَا يَصِلُ بِفَضْلِ اللهِ إلى العَبْدِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ في بَابِ الدُّعَاءِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |