الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أَوَّلًا: مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِأَنَّ طَاعَةَ الوَالِدَيْنِ في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، وَلَا يَجُوزُ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ مَا دَامَا يَأْمُرَانِ في حُدُودِ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ الطَّاعَةُ، لِأَنَّ الطَّاعَةَ في مَعْرُوفٍ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ.
ثَانِيًا: الظُّلْمُ حَرَامٌ شَرْعًا، للحَدِيثِ القُدْسِيِّ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ.
وَحَذَّرَ الظَّالِمِينَ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾.
ثَالِثًا: المَطْلُوبُ مِنَ الأُمَّةِ الاقْتِدَاءُ بِالأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا كَانَ وَالِدُ هَذَا الرَّجُلِ كَشَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الوُقُوفِ عِنْدَ الحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يَتَعَدَّى حُدُودَ اللهِ تعالى، وَهُوَ غَيُورٌ عَلَى دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَغَيْرَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَيَخَافُ مِنَ اللهِ تعالى كَخِيفَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَيَجِبُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يُطِيعَ أَبَاهُ فِيمَا أَمَرَ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يُطِيعَ أَبَاهُ في ذَلِكَ حَتَّى لَا يَقَعَ في الظُّلْمِ، حَيْثُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ بِدُونِ سَبَبٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَإِذَا ذَكَرَ الوَالِدُ لِوَلَدِهِ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لِطَلَاقِهَا، وَكَانَ شَرْعِيًّا بِحَيْثُ يَمَسُّ دِينَهَا وَأَخْلَاقَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَةُ الوَالِدِ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ بَلْ لَا تُنْدَبُ في هَذِهِ الحَالَةِ، وَصَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.
وَنَنْصَحُ الوَالِدَ أَنْ يُبَيِّنَ لِوَلَدِهِ السَّبَبَ الشَّرْعِيَّ الدَّاعِيَ وَالوَاجِبَ لِطَلَاقِهَا، وَإِلَّا فَلْيَتَّقِ اللهَ في أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَلْيَتَذَكَّرْ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَهَلْ يُحِبُّ الوَالِدُ هَذَا لمِحَارِمِهِ؟ هذا، والله تعالى أعلم.