الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اشترط جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وجود ولي المرأة في عقد النكاح، فلا يصحُّ العقد بدون وليٍّ، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت ـ ولو كانت بالغة عاقلة رشيدة ـ لم يصحَّ عقد النكاح.
وهذا رأي كثير من الصحابة، كابن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، رضي الله عنهم؛ وذهب إليه كذلك سعيد بن المسيب، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، رحمهم الله تعالى.
ودليل الجمهور على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن السيدة عائشة وابن عباس وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ).
وما رواه الإمام أحمد والترمذي عن السيدة عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ لَهُ).
وما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا).
والسرُّ في هذا ـ والله تعالى أعلم ـ هو: أن عقد الزواج عقد خطير دائم ذو مقاصد متعدِّدة؛ من تكوين أسرة، وتحقيق طمأنينة واستقرار، والرجل بما لديه من خبرة واسعة في شؤون الحياة أقدر على مراعاة هذه المقاصد. أما المرأة فخبرتها محدودة، وتتأثر بظروف وقتية، ولأنها غير مأمونة على البُضْع لنقص عقلها وسرعة انخداعها، فلو زوَّجت امرأة نفسها، أو زوَّجت غيرها كبنتها وأختها، أو وكلت امرأةٌ غيرَ وليِّها، لا يصحُّ عقد النكاح.
وخالف الإمام أبو حنيفة جمهورَ الفقهاء، وقال بنفاذ عقد نكاح امرأة حرَّة مكلَّفة (بالغة عاقلة)، بلا رضا وليِّها، بشرط أن يكون الزوج كفئاً، وألا يقلَّ المهر عن مهر المثل.
وأنا لا أفتي إلا بقول الجمهور، وخاصة في هذا الزمن الذي كثير فيه خداع الرجال للنساء، فكم من امرأة خُدعت من قبل رجل، وحصدت بعد ذلك الحسرة والندامة.
وإني أستغرب كيف يرضى المسلم هذا لأعراض الآخرين، ولا يرضاه لنفسه، فإن كان ولا بدَّ من إبعاد الوليِّ أخذاً برأي السادة الحنفية، فأنا أنصح أن لا يكون عقد الزواج إلا عند القاضي الشرعي، وذلك ضماناً لحقِّ المرأة المسكينة المخدوعة. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |