الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الفُقَهَاءِ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى عَلَى الزَّوْجِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. وَمِنَ المُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ تَأْمِينُ السَّكَنِ الشَّرْعِيِّ للزَّوْجَةِ.
وَالمُعْتَبَرُ في المَسْكَنِ الشَّرْعِيِّ سَعَةُ الزَّوْجِ وَحَالُ الزَّوْجَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ المَسْكَنُ مُسْتَقِلَّاً بِغُرْفَهٍ وَمَنَافِعِهِ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَا تُجْبَرُ عَلَى السَّكَنِ مَعَ أَبَوَيِ الزَّوْجِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَمِنْ حَقِّ المَرْأَةِ المَسْكُنُ الشَّرْعِيُّ، وَوَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ تَأْمِينُهُ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ السُّكْنَى مَعَ الأَبَوَيْنِ، فَسَكَنَتْ، ثُمَّ طَلَبَتِ الانْفِرَادَ بِمَسْكَنٍ لَهَا، فَمِنْ حَقِّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ، مَا عَدَا المَالِكِيَّةِ الذينَ قَالُوا: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا إِذَا أَثْبَتَتِ الـضَّرَرَ مِنَ السَّكَنِ مَعَ الوَالِدَيْنِ.
وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ خِدْمَةَ زَوْجَتِهِ لِأَبَوَيْهِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الفَضْلِ، وَالوَاجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَخْدِمَ أُمَّهُ بِنَفْسِهِ، أَو عَنْ طَرِيقِ خَادِمَةٍ لَهَا، وَلَكِنْ إِذَا قَامَتِ الزَّوْجَةُ بِخِدْمَتِهَا فَهَذَا مِنْ بَابِ المَوَدَّةِ وَالإِكْرَامِ للزَّوْجِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ ضَمَانِ الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَالفَوْزِ بِدَرَجَاتٍ عَالِيَةٍ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |