الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
صَدْرُ الآيتين متفق، ولكن في الآية الأولى قُدِّمت الشفاعة وأُخِّر العدل، وفي الآية الثانية قُدِّم العدل وأُخِّرت الشفاعة، ومما لا شك فيه أنه ما جاء عبثاً، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إنما هناك لفت نظر في الآيتين، فالآيتان تتحدثان عن يوم القيامة وعظمه وخطورته، وأنه ليس كأيام الحياة الدنيا، فليس في ميزان الإسلام وعدله طريق لتخليص المجرمين من العذاب بفداء أو بدل أو مال يدفع، أو بشفاعة تشفع، بل لا ينفع ذلك اليوم إلا مرضاة الله تعالى بالعمل الصالح مع الإخلاص بعد الإيمان الراسخ في القلب، والحكم لله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون * مالكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون}. والآيتان تتحدثان عن النفس الكافرة لا المؤمنة، لأن المؤمنين تنفعهم الشفاعة بإذن اللـه تعالى، لقوله جلَّ شأنه: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}، ولقوله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة إلا لمن أذن له} ويجب علينا أن نعلم أن الشفاعة لا تعني رجوع الله تعالى عن معاقبة المؤمن من أجل الشافع، إنما هي إظهار كرامة الشافع عند الله تعالى بتنفيذ ما أراد الله أزلاً بأوامر الله عز وجل ونواهيه اعتماداً على الشفاعة. فالنفس الكافرة لا تنفعها شفاعة شافع يوم القيامة لقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} ولا يؤخذ منها فدية لقوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}. وأما السؤال عن الحكمة في تقديم الشفاعة وتأخير العدل في الآية الأولى، وتقديم العدل وتأخير الشفاعة في الآية الثانية: أولاً: يجب أن نعلم أن هناك نفسين اثنتين، النفس الأولى: هي النفس الشافعة، والنفس الثانية: هي النفس المشفوع لها. ثانياً: في الآية الأولى الحديث عن النفس الشافعة التي تتقدم للشفاعة عند الله عز وجل، وأمر طبيعي عندما يكون الحديث عن النفس الشافعة أن تتقدم الشفاعة على العدل - يعني الفداء - فالشفيع يتوسل إلى الله تعالى من أجل المشفوع له، فإن لم تقبل شفاعته يتحول الشفيع إلى مسألة الفداء. أما في الآية الثانية الحديث عن النفس المشفوع لها، وطالما الحديث عنها فالأمر طبيعي كذلك أن تتأخر الشفاعة عن العدل- الفداء -لأن هذه النفس تحاول أن تقدم الفداء عن إساءتها، فإن ضاقت بها الحيلة بحثت عن الشفيع لها. فالآية الأولى تحدثت عن النفس الشافعة بأنها لن تنفع المشفوع لها لا بشفاعة ولا بفداء. وأما الآية الثانية تحدثت عن النفس المشفوع لها بأنه لن ينفعها فداء ولا شفاعة شافع والعياذ بالله تعالى. ونحن نسأل الله تعالى أن يقبل فينا شفاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك لأصولنا وفروعنا وأزواجنا وأحبابنا والمسلمين آمين.
ارسل إلى صديق |