توفيق بين آيتين من القرآن في العدل

504 - توفيق بين آيتين من القرآن في العدل

18-09-2007 25 مشاهدة
 السؤال :
يَقُولُ اللهُ تعالى فِي سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ ثُمَّ يَقُولُ فِي نَفْسِ السُّورَةِ: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾. وَالسُّؤَالُ: مَا الحِكْمَةُ مِنْ تَقْدِيمِ الشَّفَاعَةِ وَتَأْخِيرِ العَدْلِ فِي الآيَةِ الأُولَى، وَفِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ تَقْدِيمِ العَدْلِ وَتَأْخِيرِ الشَّفَاعَةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 504
 2007-09-18

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

صَدْرُ الآيَتَيْنِ مُتَّفِقٌ، وَلَكِنْ في الآيَةِ الأُولَى قُدِّمَتِ الشَّفَاعَةُ وَأُخِّرَ العَدْلُ، وَفِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ قُدِّمَ العَدْلُ وَأُخِّرَتِ الشَّفَاعَةُ، وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مَا جَاءَ عَبَثًا، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، إِنَّمَا هُنَاكَ لَفْتُ نَظَرٍ في الآيَتَيْنِ، فَالآيَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ عَنْ يَوْمِ القِيَامَةِ وَعِظَمِهِ وَخُطُورَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَأَيَّامِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَلَيْسَ في مِيزَانِ الإِسْلَامِ وَعَدْلِهِ طَرِيقٌ لِتَخْلِيصِ المُجْرِمِينَ مِنَ العَذَابِ بِفِدَاءٍ أَوْ بَدَلٍ أَوْ مَالٍ يُدْفَعُ، أَوْ بِشَفَاعَةٍ تُشْفَعُ، بَلْ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَّا مَرْضَاةُ اللهِ تعالى بِالعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ الإِخْلَاصِ بَعْدَ الإِيمَانِ الرَّاسِخِ في القَلْبِ، وَالحُكْمُ للهِ تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ﴾.

وَالآيَتَانِ تَتَحَدَّثَانِ عَنِ النَّفْسِ الكَافِرَةِ لَا المُؤْمِنَةِ، لِأَنَّ المُؤْمِنِينَ تَنْفَعُهُمُ الشَّفَاعَةُ بِإِذْنِ اللهِ تعالى، لِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾. وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾.

وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَعْنِي رُجُوعَ اللهِ تعالى عَنْ مُعَاقَبَةِ المُؤْمِنِ مِنْ أَجْلِ الشَّافِعِ، إِنَّمَا هِيَ إِظْهَارُ كَرَامَةِ الشَّافِعِ عِنْدَ اللهِ تعالى بِتَنْفِيذِ مَا أَرَادَ اللهُ أَزَلًا بِأَوَامِرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَوَاهِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى الشَّفَاعَةِ.

فَالنَّفْسُ الكَافِرَةُ لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةُ شَافِعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾. وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا فِدْيَةٌ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الحِكْمَةِ في تَقْدِيمِ الشَّفَاعَةِ وَتَأْخِيرِ العَدْلِ في الآيَةِ الأُولَى، وَتَقْدِيمِ العَدْلِ وَتَأْخِيرِ الشَّفَاعَةِ في الآيَةِ الثَّانِيَةِ:

أَوَّلًا: يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ نَفْسَيْنِ اثْنَتَيْنِ، النَّفْسُ الأُولَى: هِيَ النَّفْسُ الشَّافِعَةُ، وَالنَّفْسُ الثَّانِيَةُ: هِيَ النَّفْسُ المَشْفُوعُ لَهَا.

ثَانِيًا: في الآيَةِ الأُولَى الحَدِيثُ عَنِ النَّفْسِ الشَّافِعَةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُ لِلشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمْرٌ طَبِيعِيٌّ عِنْدَمَا يَكُونُ الحَدِيثُ عَنِ النَّفْسِ الشَّافِعَةِ أَنْ تَتَقَدَّمَ الشَّفَاعَةُ عَلَى العَدْلِ ـ يَعْنِي الفِدَاءَ ـ فَالشَّفِيعُ يَتَوَسَّلُ إلى اللهِ تعالى مِنْ أَجْلِ المَشْفُوعِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ شَفَاعَتُهُ يَتَحَوَّلُ الشَّفِيعُ إِلَى مَسْأَلَةِ الفِدَاءِ.

أَمَّا في الآيَةِ الثَّانِيَةِ الحَدِيثُ عَنِ النَّفْسِ المَشْفُوعِ لَهَا، وَطَالَمَا الحَدِيثُ عَنْهَا فَالأَمْرُ طَبِيعِيٌّ كَذَلِكَ أَنْ تَتَأَخَّرَ الشَّفَاعَةُ عَنِ العَدْلِ ـ الفِدَاءِ ـ لِأَنَّ هَذِهِ النَّفْسَ تُحَاوِلُ أَنْ تُقَدِّمَ الفِدَاءَ عَنْ إِسَاءَتِهَا، فَإِنْ ضَاقَتْ بِهَا الحِيلَةُ بَحَثَتْ عَنِ الشَّفِيعِ لَهَا.

فَالآيَةُ الأُولَى تَحَدَّثَتْ عَنِ النَّفْسِ الشَّافِعَةِ بِأَنَّهَا لَنْ تَنْفَعَ المَشْفُوعَ لَهَا لَا بِشَفَاعَةٍ وَلَا بِفِدَاءٍ.

وَأَمَّا الآيَةُ الثَّانِيَةُ تَحَدَّثَتْ عَنِ النَّفْسِ المَشْفُوعِ لَهَا بِأَنَّهُ لَنْ يَنْفَعَهَا فِدَاءٌ وَلَا شَفَاعَةُ شَافِعٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَقْبَلَ فِينَا شَفَاعَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ لِأُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَأَحْبَابِنَا وَالمُسْلِمِينَ آمين. هذا، والله تعالى أعلم.

 

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
25 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2024-08-01
 612
مَا تَفْسِيرُ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾؟
رقم الفتوى : 13237
 السؤال :
 2024-07-25
 233
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
رقم الفتوى : 13230
 السؤال :
 2024-07-25
 305
مَا دَامَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ، فَكَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13229
 السؤال :
 2024-07-25
 191
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
رقم الفتوى : 13228
 السؤال :
 2023-08-07
 341
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1865
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5632
المقالات 3201
المكتبة الصوتية 4873
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 419946280
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :