الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ربُّنا عزَّ وجل عندما ذكر المحرَّمات في القرآن العظيم قال بعد ذلك: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}، فشملت هذه الآية العفيفة وغيرها.
ثانياً: يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا يُحَرِّمُ الحَرَامُ الحَلالَ) رواه ابن ماجه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رجل زنى بامرأة ثم يريد أن يتزوجها، قال: ما من توبة أفضل من أن يتزوجها، خرجا من سفاح إلى نكاح. رواه عبد الرزاق.
وروي عن الفاروق رضي الله عنه، أن رجلاً تزوج امرأة، وكان لها ابنة من غيره، وله ابن من غيرها، فأصاب ابنه ابنة المرأة، فرُفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فحدَّ عمر ابن الرجل، وأخَّر المرأة حتى وضعت، ثم حدَّها، وحرص على أن يجمع بينهما. رواه عبد الرزاق.
ثالثاً: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ الرجل إذا زنى بامرأة فإنه يحلُّ له أن يتزوَّج منها مباشرة، فإذا ولدت له بعد ستة أشهر من عقده عليها فالولد للفراش، وإن ولدت قبل ستة أشهر فلا ينسب الولد للرجل إلا بإقراره من غير تصريح بالزنى.
وبناء عليه:
فإذا تمَّ عقد هذا الرجل على المرأة التي زنى بها، وكان مستوفياً شروطه الشرعية، فإن العقد عليها صحيح، والطلاق الأول والثاني عليها يقع، فإذا جدَّد العقد عليها بعد ذلك، أو راجعها بعد الطلقة الثانية في عدَّتها، ثم طلَّقها ثالثة، فإن الطلاق يقع عليها، وبذلك تبين منه زوجته بينونة كبرى، ولا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره نكاح ديمومة.
وأما ما فعله هذا الرجل، من أخذه بفتوى أن النكاح الأول غير صحيح، فهو نوع من أنواع التلاعب في الأحكام الشرعية، ومن التلفيق المحرَّم الذي يريد منه التوصل إلى استحلال الحرام.
ويجب أن نعلم بأنَّ تتبُّع الرخص في غير محلِّها يؤدِّي ـ لا قدَّر الله تعالى ـ إلى الخرمة في الدين والتلفيق فيه.
لذلك هذه الزوجة حرمت على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |