الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ».
ويقول الإمام الكرماني شارحُ الحديث: أَنَّ الوُجُودَ الذِّهْنِيَّ لا أَثَرَ لَهُ، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ بِالوُجُودِ القَوْلِيِّ فِي القَوْلِيَّاتِ، وَالعَمَلِيِّ فِي العَمَلِيَّاتِ. اهـ.
ثانياً: جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: (السَّاقِطُ لا يَعُودُ؛ يَعْنِي إذَا أَسْقَطَ شَخْصٌ حَقَّاً مِنَ الحُقُوقِ الَّتِي يَجُوزُ لَهُ إسْقَاطُهَا، يَسْقُطُ ذَلِكَ الحَقُّ، وَبَعْدَ إسْقَاطِهِ لا يَعُودُ، أَمَّا الحَقُّ الَّذِي لا يَقْبَلُ الإِسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهِ لَهُ، مِثَالٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَأَسْقَطَهُ عَنِ المَدِينِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ رَأْيٌ فَنَدِمَ عَلَى إسْقَاطِهِ الدَّيْنَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَلأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ، وَهُوَ مِنَ الحُقُوقِ الَّتِي يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا، فَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى المَدِينِ وَيُطَالِبَهُ بِالدَّيْنِ؛ لأَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئَتْ مِنَ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ الدَّائِنِ حَقَّهُ فِيهِ) اهـ.
وبناء على ذلك:
فإذا كانَ ما حَصَلَ منكَ مُجرَّدُ خاطِرٍ، ولم تَنطِق به بِلِسانِكَ، فلا حَرَجَ من أخذِ المالِ الذي لكَ من وَرَثَةِ المَدينِ، لأنَّ حديثَ النَّفسِ بدونِ تَلَفُّظٍ به لا قيمةَ له.
أما إذا تَلفَّظتَ بذلك، ولو كانَ بينكَ وبينَ نفسِكَ، فقد أسقطتَ حقَّكَ، وإذا سَقَطَ حقُّكَ فلا يجوزُ لكَ أخذُ هذا المالِ من الورثةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |