الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالحقُّ سبحانَهُ وتعالى خاطَبَ المؤمنينَ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ مُذَكِّراً لهُم بِفَضلِهِ ومِنَّتِهِ قائلاً: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾. أي: كما هَدَيناكُم إلى الصِّراطِ المستقيمِ وهوَ دِينُ الإسلامِ، وحَوَّلناكُم إلى قِبلةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ واختَرناها لكُم، جَعلناكُم خِياراً عُدولاً، فأنتُم خِيارُ الأمَمِ، فلا إفراطَ ولا تَفريطَ في شأنِ الدِّينِ والدُّنيا، وبلا غُلُوٍّ في دِينِكُم، ولا تَقصيرٍ في دُنياكُم.
فأنتُم لستم كاليهودِ والمشركينَ المادِّيِّينَ، ولا بالرُّوحانِيِّينَ كالنَّصارى، وإنَّما جَمَعتُم بينَ الحقَّينِ، حقِّ الجَسَدِ، وحقِّ الرُّوحِ، ولم تُهمِلوا أيَّ جانِبٍ منهُما تَمَشِّياً مع الفِطرةِ الإنسانِيَّةِ القائِمَةِ على أنَّ الإنسانَ روحٌ وجَسَدٌ.
وأنتُم شُهَداءُ على الأمَمِ السَّابِقَةِ يومَ القِيامَةِ، فَتَشهَدونَ أنَّ الرُّسُلَ عليهِمُ السَّلامُ بَلَّغوا دَعوَةَ الله تعالى لأُمَمِهِم، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ».
وبناء على ذلك:
فالمَقصودُ بالوَسَطِ في حقِّ هذهِ الأمَّةِ، أنَّها أمَّةٌ مُعتَدِلَةٌ، ليست مادِّيَّةً مَحضَةً، ولا رُوحانِيَّةً مَحضَةً،فهيَ أمَّةٌ تُعطي للجَسَدِ حقَّهُ، وللرُّوحِ حقَّها، فهيَ وَسَطٌ في الأمَمِ كُلِّها.
حتَّى في العقيدَةِ هيَ أُمَّةُ وسَطٍ، فهناكَ من أنكَرَ وجودَ اللهِ تعالى، وهناكَ من أسرَفَ فَعَدَّدَ الآلهةَ، أمَّا هذهِ الأمَّةَ فهيَ أمَّةُ التَّوحيدِ التي تقولُ لا إلهَ إلا اللهُ فما أنكرت وجودَ اللهِ، وما عدَّدتِ الآلِهَةَ.
وهذهِ الأُمَّةُ شاهِدَةٌ على الأمَمِ بأنَّ أنبياءَهُم بَلَّغوهم، وشَهِدوا على الأمَمِ بما أخبَرَهُمُ اللهُ تعالى عنهُم. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |