الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يجبُ علينا أن نعلمَ أنَّا أتباعٌ لسيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ونلتزمَ بما شَرَعَ اللهُ تعالى لنا ورسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فقد أخرج الإمام مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ». وفي روايةٍ للإمام البخاري عن كَعب بنِ عُجرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «قولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
وكذلك أخرج الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام».
ثانياً: تكلَّمَ العلماءُ وشُرَّاحُ الحديثِ عن هذهِ الصَّلواتِ الشَّريفةِ، من مُنطلقِ القاعدةِ الفقهيَّةِ التي تقولُ: المشبَّهُ دونَ المشبَّهِ به، فقالوا أقوالاً، منها:
1ـ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سألَ اللهَ تعالى التَّسويةَ مع سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وأمَرَ بذلكَ أمَّتَهُ، فاستجابَ اللهُ تعالى له ذلكَ، وزادَهُ من فضلِهِ، حتَّى فَضَّلَهُ على سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السَّلامُ.
2ـ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قالَ ذلكَ من بابِ التَّواضُعِ.
3ـ أنَّ التَّشبيهَ إنَّما هوَ لأصلِ الصَّلاةِ بأصلِ الصَّلاةِ، لا للقدرِ بالقدرِ، وهذا كقولِهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ﴾. وأينَ الوحيُ الذي أوحاهُ اللهُ تعالى لسيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من الوحيِ الذي أوحاهُ لسيِّدِنا نوحٍ عليه السَّلامُ؟
وهوَ كقولِهِ تعالى: ﴿وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ﴾. وأينَ إحسانُ الله تعالى لعبدِهِ، من إحسانِ العبدِ لعبدٍ مثلِهِ؟
4ـ أنَّ هذهِ القاعدةَ ليست مُضطردةً، بل قد يكونُ التَّشبيهُ بالمثلِ، بل وبالدُّونِ، كما في قولِهِ تعالى: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾. وأينَ يقعُ نورُ المِشكاةِ من نورِهِ تعالى؟
ولكن لمَّا كانَ المرادُ من المشبَّهِ به أن يكونَ شيئاً ظاهِراً واضِحاً للسَّامِعِ حَسُنَ تشبيهُ النُّورِ بالمِشكاةِ.
وبناء على ذلك:
فلمَّا كانَ تعظيمُ سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السَّلامُ مشهوراً واضِحاً عندَ جميعِ أهلِ الدِّياناتِ، بما فيهِمُ المشركينَ، حيثُ قالتِ النَّصارى: إبراهيمُ منَّا، وقالتِ اليهودُ: إبراهيمُ منَّا، وقالَ المشركونَ: إبراهيمُ منَّا، حَسُنَ أن يُطلَبَ لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مثلَ ما حَصَلَ لسيِّدِنا إبراهيمَ عليه السَّلامُ، ويُؤيِّدُ هذا ما خُتِمَ في الصَّلواتِ الشَّريفةِ: «فِي الْعَالَمِينَ» أي كما أظهرتَ الصَّلاةَ على إبراهيمَ في العالمينَ، أظهِرها لسيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ويُنسبُ للإمام ِ الشَّافعيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أنَّهُ قال: التَّشبيهُ لأصلِ الصَّلاةِ بأصلِ الصَّلاةِ، أو للمجموعِ بالمجموعِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |