الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ لَهُ شُرُوطٌ، مِنْ جُمْلَتِهَا، نِيَّةُ السَّفَرِ، وَالخُرُوجُ مِنْ عُمْرَانِ بَلْدَةِ المُسَافِرِ، وَمَسَافَةِ القَصْرِ. وَقَالَ الفُقَهَاءُ: القَصْرُ لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَ المُسَافِرُ مَحَلَّ إِقَامَتِهِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا بِمُفَارَقَةِ البُيُوتِ، وَيَدْخُلُ فِي البُيُوتِ المَبَانِي المُحِيطَةُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصُرْ فِي سَفَرِهِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ المَدِينَةِ.
وَقَالُوا كَذَلِكَ فِي مَسَافَةِ القَصْرِ: هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الإِنْسَانُ مَسِيرَةَ مَسَافَةِ السَّفَرِ المُقَدَّرَةِ عِنْدَ الفُقَهَاءِ، وَهِيَ المَسَافَةُ بَيْنَ نِهايَةِ عُمْرَانِ الأُولَى وَبِدَايَةِ عُمْرَانِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا يَصِحُّ القَصْرُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
لَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَقْصُرَ فِي صَلَاتِكَ، لِأَنَّ المَسَافَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَيْنَ نِهَايَةِ عُمْرَانِ الأُولَى، وَبِدَايَةِ عُمْرَانِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ كَانَتِ المَسَافَةُ بَيْنَ بَيْتِهِ فِي بَلْدَتِهِ، وَالمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ مِنَ البَلْدَةِ الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ كِيلُو مِتْرٍ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسَافَةِ القَصْرِ المُعْتَبَرَةِ هُوَ نِهَايَةُ البَلْدَةِ الأُولَى وَبِدَايَةُ البَلْدَةِ الثَّانِيَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.