الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ».
وروى الإمام مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ» وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الله».
وروى الشيخان عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ الله وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ».
ثانياً: ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والشَّافِعِيَّةُ إلى عَدَمِ انعِقادِ نَذْرِ المَعصِيَةِ، وأنَّهُ لا يَصِحُّ.
وذَهَبَ المالِكِيَّةُ والحَنابِلَةُ إلى أنَّ نَذْرَ المَعصِيَةِ مُنعَقِدٌ وصَحيحٌ، إلا أنَّهُ لا يَحِلُّ الوَفاءُ به، والنَّاذِرُ يَكونُ آثِماً.
وبناء على ذلك:
فَنَذْرُ والِدَتِكَ هوَ نَذْرُ مَعصِيَةٍ، ويَجِبُ عَلَيها أن تَتوبَ إلى الله تعالى وتَستَغفِرَ من ذلكَ، ويَحرُمُ عَلَيها الوَفاءُ بهذا النَّذْرِ، سواءٌ كانَتِ الأيَّامُ أيَّامَ أزمَةٍ، أو أيَّامَ رَخاءٍ.
ويَجِبُ عَلَيها بَعدَ ذلكَ أن تُكَفِّرَ عن هذا النَّذْرِ بكَفَّارَةِ يَمينٍ، وهيَ إطعامُ عَشَرَةِ مَساكينَ من أوسَطِ طَعامِها، أو كِسوَتُهُم، أو تَحريرُ رَقَبَةٍ، فإن لم تَملِكْ ذلكَ فَتَصومُ ثَلاثَةَ أيَّامٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |