الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اتفق جمهور الفقهاء على وقوع الطلاق البدعي، مع اتفاقهم على وقوع الإثم فيه على المطلق لمخالفته السنة في طريقة إيقاع الطلاق، فالطلاق السني أن يوقعه الرجل على زوجته طلقة واحدة رجعية في طهر لم يطأها فيه. فإذا طلَّق زوجته في الحيض يقع عليها الطلاق ولكن: يجب عليه عند السادة الحنفية أن يراجعها، إذا كان طلاقه رجعياً رفعاً للإثم الذي وقع عليه، وقال القدوري من الحنفية: إن الرجعة مستحبة لا واجبة. وعند السادة الشافعية: مراجعتها سنة. وعند السادة الحنابلة: يستحب أن يراجعها. وعند السادة المالكية: يجبر المطلق على إرجاعها رفعاً للحرمة ما دامت الرجعة ممكنة بأن كان الطلاق رجعياً، فإذا كان بائناً بينونة صغرى أو كبرى تعذر الرجوع واستقر الإثم. وكل ذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنه، أنه طلق زوجته وهي حائض، فسأل عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعدُ، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلَّق لها النساء) متفق عليه. وفي رواية الدارقطني، قال: فقلت: يا رسول الله أفرأيت لو أنني طلَّقتها ثلاثاً، أكان يحل لي أن أراجعها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، كانت تبين منك، وتكون معصية). وقال نافع: وكان عبد الله طلَّقها تطليقة فحسب من طلاقه، وراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبناء على ما تقدم: فإن زوجة هذا الرجل قد حرمت عليه، وبانت منه بينونة كبرى، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وهذا عند جمهور الفقهاء، وعند الأئمة الأربعة، مع وقوع الإثم عليه في طلاقها في المرة الثالثة، لأنه طلَّقها وهي حائض، فعليه التوبة والاستغفار. وأما ما سمعه بأن طلاق الرجل لزوجته وهي حائض لا يقع عند الحنابلة هو قول غير صحيح، وجاء في كتاب المغني لابن قدامة في كتاب الطلاق ما نصه: فإن طلق للبدعة، وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم. وقال ابن المنذر وابن عبد البر: لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |