أصيب بالقنوط مما يجري

6190 - أصيب بالقنوط مما يجري

09-03-2014 8369 مشاهدة
 السؤال :
إنني أصبت بالقنوط مما يجري في بلدنا، فهل أنا مخطئ أم مصيب؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6190
 2014-03-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ على المُؤمِنِ في أيَّامِ الأزَمَاتِ والشِّدَّةِ أن يَعلَمَ أُموراً، منها:

أولاً: كُلُّ ما يُصَبُّ على الأُمَّةِ على مُستَوَى الأفرادِ والجَماعاتِ إنَّما هوَ بِقَضَاءِ الله تعالى وقَدَرِهِ، وإنَّ اللهَ تعالى قَدَّرَهُ قَبلَ خَلْقِ السَّماواتِ والأرضِ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ، روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

ثانياً: رَبُّنا عزَّ وجلَّ جَعَلَ من أركانِ الإيمانِ، الإيمانَ بالقَضَاءِ والقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ من الله تعالى، فالتَّسَخُّطُ من العَبدِ يَكونُ مُناقِضَاً للإيمانِ.

ثالثاً: كُلُّ ما يُصِيبُ الأُمَّةَ على مُستَوَى الفَردِ أو الجَماعَةِ هوَ من عِندِ أنفُسِهِم، وبِسَبَبِ أفعالِهِم، قال تعالى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾.

ومِمَّا لا شَكَّ فيهِ بأنَّ الأُمَّةَ اليَومَ تَجَاوَزَت كَثيراً من حُدودِ الله تعالى، وقَصَّرَت في حَقِّ الله تعالى، وانتَشَرَ الظُّلمُ بَينَ الأفرادِ بِشَكلٍ لا يَكادُ أن يُصَدَّقَ، وصَارَت مُخالَفَةُ أمرِ الله تعالى جِهاراً نَهاراً بِدونِ استِحياءٍ، ولا يُنكِرُ هذا إنسانٌ عَاقِلٌ، أولَسنا بَعدَ هذا نَستَحِقُّ عِقابَ الله تعالى؟

رابعاً: الإيمانُ الجَازِمُ التَّامُّ بأنَّ هذهِ المَصائِبَ التي تُصَبُّ عَلَينا في بَلَدِنا هذا، وإن كانَت في ظَاهِرِها شَرَّاً، إلا أنَّها تَبقى في حَقيقَتِها تَحمِلُ الخَيرَ الكَثيرَ للأُمَّةِ على المَدَى البَعيدِ، إذا تُبْنا إلى الله تعالى، ورَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ منَّا إلى الله تعالى مُصطَلِحاً مَعَهُ.

وبناء على ذلك:

فالإنسانُ في هذهِ الحَياةِ الدُّنيا لن تَكونَ حَياتُهُ حَياةَ نَعيمٍ وسَعَادَةٍ بِشَكلٍ مُستَمِرٍّ، بل لا بُدَّ من المُنَغِّصَاتِ فيها حتَّى لا يَطمَئِنَّ إلَيها، ولا بُدَّ أن يُغَيِّرَها شَيءٌ من الهَمِّ والنَّكَدِ والغَمِّ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَد﴾.

ما أعَدَّ اللهُ تعالى الحَياةَ الدُّنيا دارَ نَعيمٍ لِبَني البَشَرِ بل دارَ ابتِلاءٍ واختِبارٍ، وأمَّا الآخِرَةُ فهيَ الدَّارُ الخَالِدَةُ المُشتَمِلَةُ على نَعيمٍ لا مُنَغِّصَ فيهِ لِعِبادِهِ المُؤمِنينَ في دَارِ الخُلدِ.

وأخيراً أقولُ لكَ يا أخي الكَريم:

أشْعِرْ نَفسَكَ بالسَّكينَةِ والطُّمَأنِينَةِ من خِلالِ إيمانِكَ بأنَّ اللهَ تعالى أرحَمُ بِعِبادِهِ منكَ، وهوَ أرحَمُ بالأُمِّ على وَليدِها، فَلَستُ أنا وأنتَ أكثَرَ رَحمَةٍ ورَأفَةٍ ومَحَبَّةٍ للمُؤمِنينَ من خَالِقِنا، فهوَ رَؤوفٌ رَحيمٌ بِعِبادِهِ المُؤمِنينَ.

وقد يَكونُ ما يُصيبُ الأُمَّةَ من البَلاءِ العَظيمِ هوَ من مُقتَضَى رَحمَتِهِ عزَّ وجلَّ لأمرٍ غَيبِيٍّ لا يَعلَمُهُ إلا اللهُ سُبحَانَهُ وتعالى، وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
8369 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مسائل فقهية متنوعة

 السؤال :
 2025-04-10
 258
مَا وَاجِبُنَا نَحْوَ إِخْوَانِنَا فِي فِلَسْطِينَ، وَخَاصَّةً فِي غَزَّةَ؟
رقم الفتوى : 13560
 السؤال :
 2025-04-10
 106
لَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ كَثِيرًا عَنِ الأَوْلِيَاءِ، وَلَكِنِ اليَوْمَ نَكَادُ لَا نَرَى وَلِيًّا، فَهَلْ قَلَّ عَدَدُ الأَوْلِيَاءِ للهِ تَعَالَى فِي هَذَا الزَّمَانِ؟
رقم الفتوى : 13559
 السؤال :
 2025-03-23
 287
مَا صِحَّةُ مَا يَنْتَشِرُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُقَدِّمَ هَدِيَّةً لِزَوْجَتِهِ يَوْمَ عِيدِ الفِطْرِ، لِقَاءَ تَعَبِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيُسَمَّى هَذَا الحَقُّ حَقَّ المِلْحِ؟
رقم الفتوى : 13540
 السؤال :
 2025-03-21
 108
هُنَاكَ بَعْضُ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ قِيلَتْ فِي حَقِّ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبْرَى رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، يَقُولُ فِيهَا الشَّاعِرُ: قِفْ بِالحَجُونِ سُوَيْعَةً يَا حَادِي؛ فَهَلْ بِالإِمْكَانِ مَعْرِفَتُهَا، وَمَعْرِفَةُ قَائِلِهَا؟
رقم الفتوى : 13534
 السؤال :
 2025-03-17
 206
مَا هِيَ أَفْضَلُ صِيغَةٍ نُصَلِّي بِها عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
رقم الفتوى : 13527
 السؤال :
 2025-03-12
 36
مَا السَّبِيلُ لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَخَاصَّةً لِإِنْسَانٍ لَهُ قُرَنَاءُ سُوءٍ؟
رقم الفتوى : 13517

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5677
المقالات 3209
المكتبة الصوتية 4880
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 422573736
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2025 
برمجة وتطوير :