الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَقولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى في حَقِّ إخوَةِ سَيِّدِنا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَجَاؤُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُون﴾. وقد كانَ بُكاؤُهُم تَصَنُّعاً لِيُصَدِّقَهُم سَيِّدُنا يَعقُوبُ عَلَيهِ السَّلامُ بما أخبَروهُ به في شَأنِ سَيِّدِنا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ، مَعَ أنَّ الذي أخبَروهُ به كَذِبٌ، وهُمُ الذينَ دَبَّروا هذا الفِعلَ.
ويَقولُ الإمامُ القُرطُبِيُّ: هذهِ الآيَةُ دَليلٌ على أنَّ بُكاءَ المَرءِ لا يَدُلُّ على صِدْقِ مَقَالِهِ، لاحتِمالِ أن يَكونَ تَصَنُّعَاً، فمن الخَلْقِ من يَقدِرُ على ذلكَ، ومِنهُم من لا يَقدِرُ.
وقد قِيلَ: إنَّ الدَّمعَ المَصنوعَ لا يَخفَى، كما قالَ حَكيمٌ:
إذا اشتَبَكَت دُموعٌ في خُدودٍ *** تَبَيَّنَ من بَكَى مِمَّن تَبَاكَى
وبناء على ذلك:
فَبُكاءُ المَرأَةِ لا يَكونُ دَليلاً على صِدْقِها، وعلى أنَّها مَظلومَةٌ، والذي يَفرِقُ الأمرَ في هذا قَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» رواه الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم.
ومن استَطَاعَ أن يَبكِيَ تَصَنُّعاً وكَذِباً، فَكَذِبُهُ باللِّسانِ أيسَرُ عَلَيهِ. هذا، والله تعالى أعلم.
ارسل إلى صديق |