هل يستوون في الحساب؟

6517 - هل يستوون في الحساب؟

22-09-2014 51718 مشاهدة
 السؤال :
هناك أناس يشدد الله تعالى عليهم في الابتلاءات، وآخرون منعمون وفي الظاهر أنهم لم يصابوا بمصيبة، هل يستوون عند الله تعالى يوم القيامة في الحساب؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 6517
 2014-09-22

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد روى الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».

وروى الشيخان عن عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللهَ لِي.

قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ».

قَالَتْ: أَصْبِرُ.

قَالَتْ: فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ؛ فَدَعَا لَهَا

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».

وروى الإمام مسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ».

فمن خِلالِ هذهِ الأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ تَبَيَّنَ بأَنَّ أَهلَ الابتِلاءَاتِ والشَّدَائِدِ والمِحَنِ إنْ كَانُوا من أَهلِ الإيمَانِ لا يَستَوُونَ عِندَ اللهِ تعالى في الحِسَابِ؛ ويَقُولُ الإمامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْفَكُّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ سَاعَةً مِنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور، وَفِيهِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا، إِنْ قَلَّتْ مَشَقَّتُهَا، وَفِيهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَزِيَادَةُ الْحَسَنَاتِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ. اهـ.

ويَقُولُ الإمامُ المناوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى  في فَيضِ القَدِيرِ: (فَمَا يَبرَحُ البَلاءُ بالعَبدِ) أي: الإنسانِ (حَتَّى يَترُكَهُ يَمشِي على الأرضِ وما عَلَيهِ من خَطِيئَةٍ) كِنَايَةً عن سَلامَتِهِ من الذُّنُوبِ وخَلاصِهِ مِنهَا، كَأَنَّهُ كَانَ مَحبُوسَاً فَأُطلِقَ وخُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَهُوَ يَمشِي وما عَلَيهِ بَأسٌ، ومن ظَنَّ أنَّ شِدَّةَ البَلاءِ هَوَانٌ بالعَبدِ، فَقَد ذَهَبَ لُبُّهُ وعَمِيَ قَلبُهُ، فَقَد ابتُلِيَ من الأَكَابِرِ ما لا يُحصَى. اهـ.

وبناء على ذلك:

فَأَهلُ الابتِلاءَاتِ الذينَ آمَنُوا وصَبَرُوا يَمشُونَ على وَجْهِ الأَرضِ بِدُونِ خَطِيئَةٍ بِإذنِ اللهِ تعالى، وبالتَّالِي لا يَستَوُونَ في الحِسَابِ مَعَ أَهلِ العَافِيَةِ، بل يَتَمنَّى أَهلُ العَافِيَةِ أن تَكُونَ أَجسَادُهُم قُطِّعَت بِمَقَارِيضَ لما يَرَونَ من مَكَانَةٍ لأَهلِ الابتِلاءَاتِ، روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُؤْتَى بِالشَّهِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، وَيُؤْتَى بِالْمُتَصَدِّقِ فَيُنْصَبُ لِلْحِسَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلاءِ وَلا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، وَلا يُنْشَرُ لَهُمْ دِيوَانٌ، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الأَجْرُ صَبَّاً، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ لَيَتَمَنَّوْنَ فِي الْمَوْقِفِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِ اللهِ لَهُمْ». هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
51718 مشاهدة
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  التفسير وعلوم القرآن

 السؤال :
 2023-08-07
 302
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾؟
رقم الفتوى : 12669
 السؤال :
 2023-03-23
 1465
مَا هِيَ النَّارُ الكُبْرَى المُشَارُ إِلَيْهَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى* ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾؟
رقم الفتوى : 12465
 السؤال :
 2023-03-23
 663
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾؟
رقم الفتوى : 12464
 السؤال :
 2023-01-30
 1729
مَا هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾؟
رقم الفتوى : 12370
 السؤال :
 2022-08-03
 1455
مَا المَقْصُودُ بِالخَيْطِ الأَبْيَضِ وَالخَيْطِ الأَسْوَدِ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾؟
رقم الفتوى : 12087
 السؤال :
 2022-07-20
 983
يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. كَيْفَ يَكُونُ الإِيذَاءُ للهِ تعالى، وَحَاشَاهُ أَنْ يَصِلَ لَهُ ضُرٌّ مِنَ الخَلْقِ؟
رقم الفتوى : 12068

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4799
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414910217
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :